هذه المرة وقع على منظر جديد؛ فقد أبصر رجالا يحملون شيئاً ما، فسأل ماذا يكون؟ ولما أخبر أنه رجل ميت قال متعجباً: ميت؟ وما الميت؟ وأخبر أن الإنسان إذا أصبح مثل ذلك الرجل صار ميتاً. فدنا الأمير من الجثة وكشف عنها غطاءها ونظر فيها وسأل ماذا يحدث بعد ذلك؟ فأخبر أنها سوف تدفن في الأرض واستفهم عن سبب ذلك فأجيب: لأن الميت سوف لا يعود إلى الحياة وسوف يتعفن وينتج الدود. وسأل الأمير أذلك حظ الناس جميعاً؟ وهل يحدث لي مثل هذا؟ وهل أدفن وأتعفن وأنتج الدود؟ أتقول نعم؟ إذن فإلى القصر. ولن أخرج بعد ذلك أبداً طلبا للمتعة.
ثم إن سكياموني فقد كان عزاء، وأيقن أن الحياة أعظم شر، وجعل همه كله أن يتخلص منها ويخلص غيره).
هكذا تُصور الحكمة الهندية الحياة وهكذا يراها تولستوي، ولقد فكر كثيراً في أن يتخلص منها. . .
ولكنه يرى كثيراً غيره من الناس يعيشون لا تزعجهم الحياة ولا يكربهم التفكير فيها، فإذا كان لم يجد في العلم هداه ولا في الفلسفة، أفلا ينظر في حياة الناس ليرى كيف يرضون ولا يشقون مثل شقائه؟
وعرف من الناس في الحياة أربعة أنماط: ففريق هم الجهلاء الذين لا يدرون أن الحياة عبث وسخف، وليس له في هؤلاء فائدة؛ لأنه لا يستطيع أن يعود جاهلا. وفريق يعلمون سخفها، ولكنهم مع علمهم يوطنون أنفسهم على تحملها، وهو لا يقدر أن يجاريهم فهو متبرم ساخط. وفريق هم الجادون العاملون الذي يتخلصون من الحياة على أية صورة، وهو لا يستطيع أن يفعل فعلهم لأن شيئاً خفيا يمنعه من ذلك كلما أغراه اليأس. وفريق يرون الحياة زوراً وعبثا وأن لا خير في مستقبل ولا رجاء، ومع ذلك فهم يتعلقون بها وإن تعذبوا، وهو من هذا الفريق.
على أن هناك فريقاً خامساً لا يدخل في هذه الأنماط الأربعة، هم أولئك الذين لا يكترث لهم أحد، وينظر إليهم السادة نظرتهم إلى الدواب، وهؤلاء قد وجدوا لهم في الحياة معنى يعيشون عليه، معنى لا يتصل بالمعقول ولا بالفلسفة، وذلك هو الإيمان.
ولكن إيمان هؤلاء يقوم على أساس من الأرثوذكسية عقيدة الكنيسة الروسية الإغريقية،