البشر حتى في بداوتها غريزة حفظ الحياة، وأن حاجتها لتسكين آلامها وأوجعها تجبرها على البحث عن العلاج اللازم لأدوائها وأوجاعها؛ فكان لابد من أن ينشأ بينها نوع من الطب والعلاج البدائي وقد كان. فقد ظهر وشاع طب من هذا القبيل بين القبائل العربية البدوية.
وقد كان الطب الشائع بين القبائل العربية في مبدأ ظهور الإسلام عبارة عن بعض المعالجات التجريبية، مقرونة بأعمال السحر والخرافات كما كانت الحال لدى أكثر القبائل الرحل، وكما لا يزال شائعاً إلى يومنا هذا لدى بعض الأقوام غير المتحضرة، فإن عوامل شتى كالمصادفات والتجارب والاختبارات ومشاهدة الطبيعة، والنظر في أحوال المرضى واتباع الغرائز الطبيعية والدوافع الفطرية وتقليد الحيوان، والتدبير والتفكر في أعماله، دفعت الإنسان للوصول إلى تدابير طبية، وهدته إلى اتخاذ وسائل علاجية، ثم أضيف إلى ذلك كله بالتدريج، عقائد ومعارف وافتراضات صحيحة وغير صحيحة مثل الشبه الموجود بين الإنسان والعالم الأكبر، وتأثير النجوم والكواكب والأجرام السماوية الأخرى في الإنسان، وعبادة الأرواح، والاعتقاد بتناسخها، وعودتها إلى الأجسام، والإيمان بوجود الجن والشياطين والأرواح الخبيثة، وحلول الشياطين والأرواح الشريرة في بدن الإنسان وتسبيبها للآلام المبرحة، إلى غير ذلك من المعتقدات، فتكون من مجموع ذلك كله نوع من الطب، كما أشرنا إليه آنفاً.
وقد كان جماعة من الشيوخ المجربين ومن بعدهم أبناؤهم والمتصلون بهم ممن كانوا يشاهدون التجارب والمعالجات التي يقوم بها الشيوخ، كانوا يقومون بعلاج المرضى؛ وهؤلاء يمكن اعتبارهم أطباء تلك الحقب. وكان عدد قليل من العرب ممن درسوا الطب في البلاد المجاورة لجزيرة العرب، ولاسيما إيران يزاولون مهنة الطب بين قومهم، منهم الحارث بن كلدة الذي كان قد درس الطب في مدرسة جند يسابور، وابن أبي رمثة التميمي، وكان جراحاً معروفاً، وزينب، وقد اشتهرت بمعالجة الرمد والجراحات.
وقد كان ظهور الإسلام سبباً في لم شعث القبائل العربية البدوية، إذ أنشأ جامعة سياسية ودينية واجتماعية قوية لهم، استطاعت في زمن وجيز أن تقلب أوضاع العالم المحتضر حينذاك رأساً على عقب، وأن تخلف امبراطوريتي الفرس والروم.