وقد كان من أثار غلبة العرب على أقوام كانت تسبقها في الحضارة والعلوم والفنون أن اقتبس العرب كثيراً من علوم تلك الأقوام وفنونها، فإن تقدمهم السريع واستقرار مدنيتهم، كانا يستلزمان هذا الاقتباس.
ولابد لمعرفة مصادر الطب الإسلامي من أن نلقي نظرة إجمالية على تاريخ الطب قبل الإسلام وفي العصر الأول الإسلامي لنعرف كيف ومن أي الأقوام وعن أي طريق وصت تلك العلوم! ومن جملتها الطب إلى العرب، والحالة التي كانت عليها تلك العلوم عندما تلقاها المسلمون عنها. وبعد ذلك نستطيع أن نعرف إلى أي حد خدم المسلمون هذه العلوم ومبلغ ما نالته تلك العلوم على أيديهم من تقدم وعظمة.
٢ - مصادر الطب الإسلامي:
لقد أسلفنا القول في أن الأمم القديمة جميعها كان لها نوع من الطب والعلاج، وأن تاريخ ظهور الطب هو تاريخ ظهور النوع البشري، أعني أن الأمراض والأوجاع المختلفة لازمت الإنسان الأول منذ بدء الخليقة وأن الآثار التاريخية التي اكتشفت عن الإنسان الأول تدل على وجود أثار بعض الأمراض لديه، ومن الثابت أن الإنسان - مثل سائر الحيوان - كان يبحث بحكم الغريزة والفطرة والإيحاء الطبيعي عن علاج لتسكين آلامه وإبراء أمراضه.
وقد كان لدى بعض الأمم القديمة كالصينيين وسكان ما بين النهرين ومصر وإيران والفنيقيين واليهود طب مدروس مدون، وكان الطب يعتبر لديهم مهنة خاصة لها ناحيتان علمية وعملية، غير أن اليونان من الأمم القديمة تعتبر الأمة التي بلغ الطب لديها شأواً عظيماً من الرقي، وكان له لديها شأن جليل.
وكان بلوغ الطب هذه المنزلة الرفيعة لدى اليونان بفضل بُقراط الذي يُدعى بحق (أبا الطب).
لقد عاش بقراط في عصر من أزهى عصور الرق العلمي في اليونان، أعني عصر بركليس الذهبي الذي ظهر فيه كثير من عظماء اليونان أمثال توسيديد، وفدياس وسوفوكل وأوريبيد. ويعد بُقراط بحق أعظم أطباء الأمم القديمة علماً وعملا، وقد بقى زهاء ألفي عام شخصية طيبة مسيطرة على عالم الطب في الدنيا كلها، وقد كانت أقواله وآراؤه المرجع