من بعه في هذا البناء على تلك القواعد المتينة. ثم تقدمت الدراسات الطبية في الإسكندرية؛ وظهر بعد ذلك جالينوس في القرن الثاني فدون معارف العلماء المتقدمين وأظهرها بصورة علمية منظمة واضحة.
وقد تهيأت مقدمات سقوط امبراطورية روما الغربية نتيجة لضعفها وفساد الإدارة فيها وحدوث حوادث اجتماعية وسياسية مختلفة، ووقوع حروب وتفشي أمراض، ثم سقطت تلك الإمبراطورية، ونتج عن سقوطها أن مراكز العلم والحضارة أصبحت هدفاً لهجوم القبائل البربرية؛ إذ أن هؤلاء البرابرة انحدروا من جبال الإلب واستولوا على إيطاليا، وكان من جراء ذلك أن العلوم والفنون ومن ضمنها الطب لم تتوقف عن التقدم فحسب، بل عادت القهقري ثانية، واستولى على الطب السحر والشعوذة والدجل والخرافات، وحلت التمائم والعزائم محل العقاقير والأدوية الطبية مرة أخرى.
ولم يكن انتشار الدين المسيحي واعتناق الناس له بصورة رسمية في روما الشرقية - الامبراطورية البيزنطية) مشجعاً للعلماء إذ أن الكنيسة كانت تعتبر العلم والفلسفة مخالفين للشرع نوعا؛ ما لذلك قامت بسد أبواب المدارس والقضاء على المجامع العلمية واعتبرت العلماء والفلاسفة كفرة مارقين عن الدين. ففي القرن الخامس للميلاد مثلا أغلقت الكنيسة أبواب مدرسة الرها (أوس) وكانت قائمة محل أورفة الحالية - وطردت منها النسطوريين فرحل جماعة منهم إلى إيران والتجأت إليها، وكان لبعضهم فضل كبير في تقدم مدرسة جندي سابور. وكان هؤلاء - النسطوريون من اتباع نسطوريوس أسقف القسطنطنية الذي نفي منها بناء على طلب المجامع الدينية بتهمة الابتداع في الدين، والذي مات حوالي سنة ٤٤٠ ميلادية بمصر، وتفرق معظم اتباعه وتلاميذه في بلاد سورية وبين النهرين وإيران وعاشوا فيها ونشروا الحضارة اليونانية في أرجائها وفي سائر بلاد الشرق بترجمتهم للمتون اليونانية إلى اللغة السريانية (الأرامية الحديثة) وتأسيسهم المدارس في (الرها) و (نصيبين) وبعض المدن الأخرى، واشتغال بعضهم بتدريس العلوم المختلفة كالرياضيات والفلسفة والطب وغيرها في مدرسة جند يسابور. وفي القرن السادس للميلاد عندما طرد الفلاسفة الوثنيون الأفلاطونية الحديثة من الأسكندرية بناء على أمر الامبراطور جوستنيان الأول واضطهدوا أولى هؤلاء وجوههم نحو بلاد المشرق وانضموا إلى