وقد انتشر طب اليونان بين الروم أيضاً، وكان معظم القائمين بمزاولة هذه المهنة من اليونانيين أنفسهم إلى أن ظهر في القرن الثاني للميلاد، أستاذ عظيم آخر في عالم الطب، وهو جالينوس. أجل، كان ناك في الحقبة الواقعة بين عصر أبقراط وعصر جالينوس عدد من كبار الأطباء أمثال تيوفراست ودبيكلس وسلس وديوسقوريدوس وبليناس الحكيم , وكاليوس أورليانوس وارته وغيرهم. وقد أضاف كلٌّ منهم شيئاً جديداً إلى المعارف الطبية القديمة كما أظهر بعضهم نظريات حديثة أحياناً. غير أن أساس الطب بصورة عامة لم يتغير عما كان عليه في زمن بقراط، إلى أن ظهر جالينوس العظيم من برغامس وهو من يوناني آسيا الصغرى، فكان الشخصية الطبية العظيمة الثانية بعد بقراط.
لقد تلقى جالينوس دروسه الأولى في مسقط رأسه، ثم استمر في تلقي العلم في جزيرة كورينتس ثم رحل إلى الإسكندرية، فتلقى فيها الطب علماً وعملاً، ثم شدَّ رحاله إلى جزيرة قبرص وجزائر أخرى من جزائر البحر الأبيض المتوسط وفلسطين، وكانت رحلاته كلها للدرس والبحث عن الأعشاب الطبية والاتصال بعلماء تلك البلاد، ثم عاد بعدها إلى موطنه ومارَس مهنة الطبِّ هناك مدة، ثم استقرَّ به المقام في روما وأسس فيها حلقة لدرس الطب في حِمى مارك أورل.
وكان عالماً محباً للعلماء والفلاسفة واشتغل أيضاً بمزاولة الطب هناك، وكان يقوم في نفس الوقت بتربية جماعة من تلاميذة كما كان يقوم بتأليف مؤلفات مهمة في علم الطب أصبحت فيما بعد مصدراً من أهم مصادر الطب الإسلامي.
وكان جالينوس يعد بصفة خاصة أستاذ علم التشريح غير منازَع مدى أربعة عشر قرناً، أي من القرن الثاني للميلاد إلى القرن السادس عشر منه. وكان جميع أطباء القرون الوسطى ومن ضمنهم الأطباء المسلمون يدرسون التشريح عن طريق مؤلفاته، حتى ظهر في القرن السادس عشر للميلاد الطبيب البلجيكي الشهير فزال من علماء التشريح الكبار مؤلف في التشريح برهن فيه على وجود نقائض في تشريح جالينوس فأسقطه من الاعتبار. والخلاصة أن اليونانيين وضعوا أساس علم الطب بالاستعانة بمعارف سائر الأمم وتجاربهم. ومن أهم رجالهم في هذا الصدد بقراط العظيم الذي أقام بحوثه على أساس البحث والتحليل والنقد العلمي والتجارب، فأبرزه لنا بصورة علمية صحيحة؛ وسعى خلفاؤه