للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وظيفة الأعضاء ناقصين تبعاً لذلك، فإن المعارف التي كانت لدى بقراط عن الطب لم تكن كبيرة من حيث الكم، فإن دائرة معارفه عن الأمراض كانت ضيقة لا يستطيع بها إيضاح تطورات المرض وتحولاته كما ينبغي؛ غير أن معارفه كانت على مبلغ عظيم من الأهمية من حيث الكيف.

لقد بنى بقراط طريقته على أسا علمي متين، فقد فصل الطب عن الدين فصلاً تاماً وجعل حالة المريض نفسه أساساً لعلاجه.

ويتضح من صيغة القسم المعروف بعهد بقراط ومن الرسائل الطبية التي ألفها، أنه قد حدد بوضوح تام حقوق الطبيب ووظائفه وواجباته الأخلاقية والاجتماعية، كما يتبين من ذلك كله أنه قد أضفى على هذه المهنة صورة خلقية، وجعل منها عملاً إنسانياً وقياماً بالواجب محتما، وكان هو نفسه مثلا حياً للأخلاق الفاضلة من إيمان بالحق ودفاع عنه وحب للخير وإيثار وعطف على المرضى والموجعين، وهمة عالية في نشر العلم والعرفان وغيرة عليها لا تجاري.

وقد ترك بقراط للعالم مجموعة طبية تعتبر أقدم تراث طبي قدم للبشرية، وأثمن مجموعة، ألا وهي المجموعة الأبقراطية. وفيها بحوث عن جميع النواحي النظرية والعملية في الطب؛ وتعد أهم مصادر الطب الإسلامي.

واحتذى إبنا بقراط وصهره وبعض تلاميذه من بعده حذوه وترسموا خطاه في بحوثهم الطبية. وأضاف إليها أفلاطون وأرسطوا بنظرتهما الفلسفية آراء في كليات الطب. ثم ظهرت في المدن وبعض الجزر اليونانية مجامع أو حلقات مهمة لدراسة الطب. وبرز كثير من الأطباء الكبار في هذا المجال وكانوا جميعاً مع تفاوت في الدرجة من شراح مؤلفات بقراط وآثاره إلى أن أصبحت الإسكندرية مركزاً للعولم الطبية اليونانية، وأجيز تشريح جثث الموتى وتقدم علم التشريح وعلم وظائف الأعضاء تقدماً كبيراً.

فالإسكندرية كانت بالنظر لموقعها الجغرافي وماضيها الاجتماعي محل اختلاط شتى القبائل والأقوام الإفريقية والآسيوية والأوربية وكانت من أهم المراكز الاجتماعية والثقافية في الدنيا القديمة، لذلك تجمع فيها معارف مختلفة من مصادر شتى أضيفت هذه كلها إلى طب بقراط.

<<  <  ج:
ص:  >  >>