نقول إن عين الشرقي هي التي سجلت ما في هذا الكتاب من كتب وأطياف وظلال. والشرقي مؤمن بطبعه، وكان الشرق مهبط الأديان منذ قديم الزمان. انظر معي إلى ما يقوله تيمور في صفحة ٨٠ (مازال حديث السماء على تطاول الزمن، وتراوف الحقب، وتطور العقول، هو صاحب السلطان الأول على المشاعر والنفوس. . . لطالما سمعنا فلاسفة الفكر ينادون بأن العقيدة الدينية على وشك الانهيار، ولكننا لا نلبث أن تواجهنا حقائق تسخر من هذا الزعم الموهوم. . . إن العقيدة، مثلها كمثل كرة المطاط، إذا قذفت بها ورأيتها جادة في هويها إلى الأرض لم تحسب لها من رجوع. ولكنك لا تعتم أن تراها قد وثبت إليك في عنفوانها أقوى مما كانت من قبل. . .).
فأنت ترى أن الرحلة لا تصف المشاهد الحسية فحسب، بل تذههب إلى أعماق الحقائق الروحية، فيحدثنا صاحبها عن الفلسفة والعقيدة والإيمان بالله، والدفاع عن الأديان.
على أننا ننكر على الأستاذ تيمور قوله: إن فلاسفة الفكر ينادون بالإلحاد، فهي تهمة لصقت بالفلاسفة وهم منها براء. وقد قيل مثل ذلك عن ابن رشد فيلسوف قرطبة، ووقع في محتة شديدة كادت أن تودي به. على أنا نرى أن الفلاسفة كانوا دعائم العقائد يقوونها بسند الفكر والبرهان، كما فعل ديكارت في براهينه الرياضية في إثبات وجود الله.
وقد نقلت العبارة السابقة من الكتاب لغرض آخر غير هذا النقد الذي وجهته، ذلك أني أحببت أن أعرض على القارئ لوناً من أسلوب الكاتب في كتابته.
ولقد صحبت تيمور في قصصه منذ زمن بعيد، فقرأت له تلك (الأفصوصات)، ويعنون بذلك القصة الصغيرة، مثل (مكتوب على الجبين وقصص أخرى) و (أبو علي وقصص أخرى). فكنت أعجب به قاصاً، كما أعجبت به كاتب رحلة. والميزان ومبعث الإعجاب عندي هو تلك اللذة التي تشعر بها عند قراءة هذه القصص، فلا تكاد تبدأ في قراءتها حتى تنتهي إلى نهايتها، دون شعور بملل أو سأم، بل يدفعنا فيها دافع قوي من الشغف والتلهف على تتمة القصة.
وقد يختلف النقاد في الحكم على أدب تيمور وقصصه، ولا أعد هذا الخلاف مطعناً عليه، فكل أديب مشهور لابد أن يكون موضع الخلاف بين النقاد، وكذلك كان شوقي في شعره، رفعه بعض الحكام إلى مرتبة الإمارة في الشعر، وقال البعض الآخر إنه ناظم لا روح فيه.