عبقرياً. فلماذا نقول إن لمبروزو قد أخطأ في تصويره لملازمات العبقرية، وهو قد أصاب؟
وبعد فالكلام عن العبقرية غير الكلام عن التناسب. لأن العبقرية تفوق خارق للعادة، والتناسب محافظة على نسب الأشياء التي جرت بها العادة، فلا يمكن أن يكون الشي خارقا للعادة، ومتناسباً على حسب العرف المألوف في سائر المناسبات.
إن خرق العادة يستلزم بنفسه مخالفة العادات، ولهذا كان لزاماً أن ترى في جملة العباقرة صفات يخالفون بها سواد الناس، وقد تكون هذه المخالفة شذوذاً في حالات، ورجحاناً في حالات أخرى. بل قد يكون الرجحان كما يقولون (على حساب) صفات أخرى ينقص فيها العبقري عن سواد الناس، لأنه زائد عليهم في ملكات العبقرية والنبوغ.
فلم يخطئ لمبروزو حين سجل هذه الملاحظات، وهو لم يسجلها ظناً منه وتخميناً لا يستند إلى دليل، بل سجلها وهو يقرنها بالصفات العروفة عن كثير من عباقرة العلم والفنون والسياسة والحروب، فإذا بفريق منهم بالغ في الطول، وفريق بالغ في القصر، وإذا بأناس منهم تبرز فضائلهم كما تبرز نقائصهم على طرفين متقابلين. وقد رأينا في التاريخ الحديث دهاة سياسيين تجاوزوا الطول المألوف من أمثال ريشليو وبسمارك وبيكنسفيلد وتاليران، ورأينا فيه عباقرة دهاة أقصر من القوام المعتدل بين الناس، كنابليون وعبد الحميد وموسوليني، فلم يكن في هذه المشاهدات تفنيد لرأي العالم الإيطالي، بل كان فيه تعزيز وتأييد
ومن مزايا الدراسات النفسية ولا ريب أنها ترينا الصفة وما يقابلها في معارج العظمة والعبقرية. فلا تقول إننا نتناقض ونتعارض، بل نقول إن العظمة الإنسانية أفق رحيب يتسع لشتى الأطوار وشتى الصفات.