للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وموضع السؤال الحق هنا: أي الرجلين كان أولى بحفاوة النبي عليه السلام؟ الأسود بن شريع أو عمر بن الخطاب؟

ولا خلاف في الجواب.

أما أن النبي يتسع صدره لكلام لا يتسع له صدر عمر، فليس من اللازم أن يمنع النبي كل ما يمنعه أصحابه، ولو كانوا على صواب. ونحن نرى مصداق ذلك في كل شريعة وكل نظام وفي كل زمان. فإن القضاء قد يدين مجرماً بحكم القانون، ثم يعفو عنه الملك لسبب يراه، ولا يقال إن في الأمر مخالفة للعدل أو للشريعة، وإنما هو اختلاف للتقدير الذي قضى بالعفو، والتقدير الذي قضى بالعقاب.

واختلاف التقديرين بين النبي العظيم وصاحبه العظيم، كما قلنا في عبقرية عمر (هو الفارق بين إنسان عظيم ورجل عظيم. فالنبي لا يكون رجلا عظيما وكفى، بل لابد أن يكون إنساناً عظيماً، فيه كل خصائص الإنسانية الشاملة التي تعم الرجولة والأنوثة والأقوياء والضعفاء، وتهيؤه للفهم عن كل جانب من جوانب بني آدم، فيكون عارفاً بها وإن لم يكن متصفاً بها، قادراً على علاجها، وإن لم يكن معرضاً لأدوائها، شاملا لها بعطفه، وإن كان ينكرها بفكره وروحه، لأنه أكبر من أن يلقاها لقاء الأنداد، وأعذر من أن يلقاها لقاء القضاة).

والمعنى البسيط الذي يفهم من هذا الفارق، ومن جميع الفوارق، أن النبي ليس هو عمر، وأن عمر ليس هو النبي، وأنهما لا يلزم أن يكونا على نمط في الفهم والشعور، وإن كان لكل منهما نصيب من العظمة ومكارم الأخلاق.

وسؤال آخر في علم النفس يسأل عنه الطالب الأديب فيقول: (إن العالم الإيطالي يقرر أن من صفات العبقرية الطول البائن، أو القصر البين) ثم يسألني: (لماذا لا يحد الأستاذ من هذا القول! أليس الطول البائن زيادة عن الحد المطلوب، أو عن تناسب القوام؟).

ومن الواجب أن نذكر أننا لا نتكلم هنا في فروض وتقديرات، ولكننا نتكلم في واقع لا شك فيه، وهو أن عمر كان طويلا مفرطاً في الطول، وكان كما وصفوه يمشي كأنه راكب، وكان مع هذا عبقرياً بشهادة النبي وشهادة الصحابة وشهادة الأعمال.

فلا حيلة لنا في هذه الصفة، ولا مخرج منها بالفروض والتقديرات. . كان طويلا وكان

<<  <  ج:
ص:  >  >>