الشام وعن مدة إقامته في هذا البلد. والذي يفهم من أقواله أنه لم يتمكن من عمل أي شيء في (دمشق) وأن (معاوية) لم يقبض عليه، وأنه غادر أرض (بني أمية) إلى أرض أخرى هي (مصر) ليزرع في ذلك البلد بذور الفتنة التي زرعها في العراق
وفي (مصر) على ما يظهر من روايات الطبري لقى (ابن سبأ) نجاحاً كبيراً، وترأس في هذا القطر الفتنة التي أدَّت إلى استشهاد الخليفة. ويظهر من أقوال (يزيد الفقعسي) أنه جاء وهو في مصر بمقالة جديدة تضمنت عدة آراء فيها (الرجعة) و (الوصية) و (الإمامة) ثم اختم كل هذه المسائل الهامة (بالطعن على الأمراء) وبالمكاتبة مع الأمصار الأخرى في عيوب الولاة. وقد تمكن بأساليبه المعروفة من إهاجة الرأى العام ومن تسهيم الأقطار فكان أن غادر وفد مصر يريد الحجاز، وكان أن غادر وفد البصرة متظاهراً أنه يريد الحج، وكان أن تألبت كل هذه الوفود على الخليفة ولم ترحل عن مدينة الرسول حتى قتل. وكان من أهم أبطال الفتنة بمصر (عبد الله بن السوداء وخالد بن ملجم وسودان بن حمران وكنانة بن بشر).
وأما الذي يظهر من أقوال الرواة الآخرين فهو أن هذه المقالات المنسوبة إلى (ابن سبأ) إنما كان قد وضعها في العراق وأنه وضعها في مكان مناسب جداً لمثل هذه الآراء وهو (الكوفة) التي عرفت بميلها إلى علي وأولاده، وبانقلانها على عليّ وأولاده في الوقت نفسه.
والواقع أن محيط الكوفة هو صورة صادقة للمحيط الوسط الذي كان بين الحضارة وبين البداوة. وبين الإطاعة للأمراء وبين الميل إلى الفوضى ومعصية الأمراء والطعن على أصحاب الحل والعقد. ولا غرابة في ذلك فقد كانت هذه البلدة على سيف الصحراء، وقد كانت معصرة عصرت فيها أجناس وأنواع من البشر، فلا عجب إن رأينا فيها ذلك الخليط العجيب وذلك الانقلاب السريع.
ولم يذكر أحد من الرواة غير (يزيد الفقعسي) هذه المقالة على أنها كانت من صنع (ابن سبأ) في مصر. وحديث (عبد الله بن سبأ) في مصر هو من روايات هذا الرواية ليس غير. أما أصحاب الأخبار الذين تحدثوا عن (عبد الله بن سبأ) مثل (الشعبي) وأمثاله فقد وضعوه في العراق وجعلوا مكانه الكوفة ومنفاه (ساباط المدائن) ولم يبعدوه إلى أكثر من ذلك كالذي فعله (يزيد).