ينفع العقل إلا بالاستعمال، كما لا تنفع الأعوان إلا عند الفرصة، ولا ينفع الرأي إلا بالانتحال، كما لا تتم الفرصة إلا بحضور الأعوان. ومن لم يكن عقله أغلب خصال الخير عليه، أخاف أن يكون حتفه في أقرب الأشياء إليه. رأس العقل المعرفة بما يمكن كونه قبل أن يكون. والواجب على العاقل أن يتجنب أشياء ثلاثة، فانها أسرع في إفساد العقل من النار في يبس العوسج: الاستغراق في الضحك، وكثرة التمني، وسوء التثبت. لأن العاقل لا يتكلف ما لا يطيق، ولا يسعى إلا لما يدرك، ولا يعِدْ إلا بما يقدر عليه، ولا ينفق إلا بقدر مايستفيد، ولا يطلب من الجزاء، إلا بقدر ما عنده من الغناء، ولا يفرح بما نال إلا بما أجدى عليه نفعه منه. وهنا رأينا في بعض كلامه ما أثر قبل زمنه لعبد الله بن المقنع. وختم هذا الكلام بما أنشده عبد الرحمن بن محمد المقاتلي:
فمن كان ذا عقل ولم يك ذا غنى ... يكون كذي رجل وليست له نعل
من كان ذا مال ولم يك ذا حجى ... يكون كذي نعل وليست له رجل