فالمترجمون منهم كانت براعتهم مقصورة على القيام بالترجمة، وكانوا يتقنون اللغة العربية كما يتقنون السريانية أو اليونانية أو كلتيهما فيقومون بترجمة العلوم من إحدى هاتين اللغتين إلى العربية وكان هذا كل عملهم.
أما المؤلفون فهم الذين كانوا قد درسوا كل المؤلفات والآثار المترجمة وكان لهم بحث ونظر وآراء خاصة حول ما درسوه وتآليف ظهرت فيها شخصياتهم العلمية بصورة واضحة. كان بعضهم يدخل ضمن كلتا الطبقتين مثل يعقوب الكندي في الفلسفة، ويوحنا بن ماسوية وحنين بن اسحق في الطب، فإنهم مترجمون كما أنهم في الوقت نفسه مؤلفون وأصحاب نظر ورأي خاص. فقد كان حنين بن اسحق (ويسميه مترجمو اللغة اللاتينية في القرون الوسطة يوهاينتيوس من نصارى الحيرة وكان في شبابه يبيع العقاقير الطبية ويدرس الطب في نفس الوقت على يوحنا بن ماسويه. ويروي أنه ألقى على أستاذه يوما في مجلس درسه كثيراً من الأسئلة مما أثار غضب الأستاذ، فقال له ما لأهل الحيرة وللطب؟ كان الأجدر بك أن تطوف بأزقة الحيرة وتصرف النقود فتألم حنين من كلام أستاذه وآلى على نفسه أن يتعلم اليونانية ليستغني بها عن أستاذه في تعلم الطب، وقد أتقنها ثم عاد إلى جند يسابور وبرز في فنه حتى عد من طراز جبرائيل بن بختيشوع وابن ماسويه وأضرابهما أي أنه يدخل ضمن الطائفتين المؤلفين والمترجمين.
وكان خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان أول أمير من بني أمية اهتم بعلوم اليونان اهتماما خاصاً حتى لقب (بحكيم آل مروان) فقد جمع هذا الأمير نظراً لشغفه بكشف أكسير الكيمياء حكماء اليونان المقيمين في مصر في رحابه وطلب إليهم أن يعربوا المؤلفات اليونانية والمصرية عن أكسير الكيمياء عن اللغتين اليونانية والقبطية، وهذا حسب ما يعتقد ابن النديم أول نقل في الإسلام من لغة إلى لغة.
يقول برتلو في مؤلفه عن تاريخ الكيمياء في القرون الوسطى:(كان جل هم الكيماويين الحصول على الأكسير الأعظم وحجر الفلاسفة، غير أنهم خلال تجاربهم للوصول إلى هدفهم هذا وفقوا لاكتشافات كبيرة في الكيمياء ولا تزال المصطلحات الكيماوية التي وضعها العرب مثل الكحول - والأنبيق - وغيرهما متداولة في جميع اللغات الأروبية تشهد بما كان للعرب في هذا الفن من سابقة وفضل).