وهناك أمر هام أرى لزاما على أن أشير إليه وهو أن لوكلرك يشير في مؤلفه (تاريخ طب العرب) إلى أنه يعتقد أن مبدأ تاريخ اقتباس العرب من علوم اليونان يجب أن يرجع إلى ما قبل زمن خالد بن يزيد بمائة سنة أي أنه يعتقد أن تاريخ فتح مصر يجب أن يعتبر مبدأ لعهد اقتباس العرب من علوم اليونان؛ فإن يحيى النحوي وكان من ملازمي عمرو بن العاص وخواصه هو نفسه - حسب معتقد لوكلرك - يوحنا فيلويونوس شارح كتاب أرسطو وكان في الأصل من القسس اليعقوبيين وقام بترجمة بعض المؤلفات اليونانية إلى العربية بعد إسلامه. ويشير ابن النديم في الفهرست ضمن ذكر أسماء مؤلفاته ومقالاته إلى أن قام بشرح بعض مؤلفات جالينوس الطبية.
وعلى أي الأحوال فإن من المسلم به أنه قد ترجمت في زمن خالد ابن يزيد بن معاوية كتب في الكيمياء والطب وعلوم أخرى من اليونانية.
ويذكر ابن النديم مترجما باسم (اصطفن القديم) ويقول إنه قد ترجم كتباً في الصنعة أي الكيمياء وغيرها إلى العربية لخالد بن يزيد. وكان هذه الحقبة مقدمة لظهور العلماء أصحاب الرأي والنظر.
ففي عهد المترجمين في القرن الأول الهجري أو بعد ذلك بقليل كانت تراجم كتب الطب وسائر العلوم من اليونانية مزيجاً من الأصل المترجم عنه مع عادات المسلمين ومبادئ الصحة في الإسلام، ونادرا ما تجد طبيباً مسلماً يبدي رأياً أو نظراً خاصاً، بل كانوا على الأغلب الأعم يسيرون على النهج الذي سار عليه القدماء في حين أنا نجد في العصور التالية أي في عصور النهضة العلمية الإسلامية علماء كبارا تجاوزوا مرحلة الترجمة والتتلمذ فكان لهم استقلال في الرأي والنظر. ومع أن أساس معارفهم مقتبس ومأخوذ من علوم اليونان - ومع أنهم معترفون بفضل بقراط وجالينوس اللذين يذكرون دائما أسميهما بكل تجلة واحترام - إلا أن النظر والرأي ظاهران بصورة جلية في مؤلفاتهم. وتجد فيها أحياناً نقداً لآثار القدماء ومؤلفاتهم، فترى الأطباء المسلمين يقومون بتجارب جديدة في الطب، وتراهم يطبقون تعاليم طبية مفيدة على المرضى في المستشفيات كما ترى منهم شيئاً كثيراً من الابتكار والابتداع ولاسيما في طرق العلاج واستعمال الأدوية والعقاقير. وقد ترك علماء هذا العهد مؤلفات كثيرة قيمة في هذا الصدد.