وفي هذا العهد نرى الرازي يبدي شكوكا على أقوال جالينوس كما نرى ابن سينا ينتقد فلسفة المشائين في مقدمة مؤلفه حكمة المشرقيين. وفي هذه العصور أصبحت الأندلس وبغداد من مراكز الطب المهمة حتى قيل إنه كان في مكتبة قرطبة وحدها ثلاثمائة ألف مجلد في مختلف العلوم والفنون.
ويختلف حكم الناس بالنسبة للخدمة التي أسداها المسلمون لعلم الطب؛ ففريق يعقتد أنه لو لم توجد الحضارة الإسلامية لضاعت آثار بقراط وجالينوس وأمثالهما في ظلام القرون الوسطى ولخسرها العالم إلى الأبد، وان بقاء هذه الآثار العلمية والمؤلفات كان بفضل وجود المسلمين واهتماهم بها، وإن هذا التراث العلمي الغالي لم يسلم بفضلهم من الفناء والضياع فحسب، بل أضيف إليه الشيء الكثير.
ولما ضعف المسلمون فيما بعد وخرج كثير من البلاد كالأندلس من يدهم كان خير ما تركوه لأخلافهم ذلك التراث العظيم من العلوم والفنون.
هذا رأي فريق، غير أن فريقاً آخر يرى، ورأي معظمهم ناشيء عن الجهل أو الغرض أو التعصب، أن خدمة الملسمين للطب ليست بذات بال، فان هذا التراث العلمي بقي مدة كأمانة لدى المسلمين ورجال الكنيسة، لكنهم لم يضيفوا إليه شيئاً من عندهم حتى جاءت النهضة الأروبية فتسلمه منهم رجال ذلك العهد واستفادوا منه.
والحق وسط بين هاتين العقيدتين المتضادتين المتطرفتين، فلا ريب أنه لو لم يقم المسلمون - بجمع آثار المتقدمين من العلماء وترجمتها ونقدها وشرحها وتفسيرها بتلك الدقة العظيمة لضاع الشيء الكثير من آثار اليونان العلمية. وخير شاهد على ذلك أن كثيراً من مؤلفات اليونان في الطب قد ضاعت نسخها الأصلية ولم يبق منها إلا ترجمتها العربية مثل الكتاب السابع من التشريح لجالينوس؛ فالموجود منه الآن - هو ترجمته العربية ليس غير.
زد على ذلك أن بعض الأطباء من المسلمين قد أسدوا إلى عالم الطب خدمات عظيمة ولاسيما في الطب العملي والجراحة؛ وقد برز كثير منهم في هذا المجال أمثال علي بن العباس المجوسي الأهوازي وأبي القاسم بن خلف الزهراوي.
فان لم نقل إن كل ما وجد في القرون الوسطى من علوم الطب كان بفضل الأطباء المسلمين فلا أقل من انصافهم بذكر الحقيقة وهي أن الطب في القرون الوسطى مدين