جنوة. ثم قال: منذ ثماني عشرة سنة زرت الأقصر، وركبت الباخرة منها إلى أسوان ثم من أسوان إلى القاهرة، وكنت من خلال الرحلة أشعر بالرضى والطمأنينة لجمال النيل وزرقة مائه ولما كنت أستشعره من الآثار المصرية القديمة القائمة على شواطئه، ولكن هل استطعنا أن نخلق على شط النيل (جنة لشهر العسل؟) ونحن نخطر فوق مياهه فهل ارتقينا (بالإنسان) المقيم في واديه إلى مرتبة الإنسان؟ لا أزال أذكر منظراً رأيته مكرراً في تلكم الرحلة، الفلاح يزرع قطعة من الأرض يقتات منها هو وعياله، ينقل الماء إليها من النيل بوساطة رجل عند المجرى يرفع الماء إى ثان، والثاني يرفعه إلى ثالث، والرابع يوزعه على الزرع. ولاشك أن الحال لم تتغير إلى الآن، وقد بلغنا عن طريق العلم ما بلغنا في معرفة طرق رفع المياه، ولكن لم نستخدمه في راحة هؤلاء الناس. . أليس مما يجرح القلب أن نهمل هؤلاء الناس وندعهم يشقون؟ أليس واجباً أن نعمل وأن ننشر آراءنا في الناس؟ أقول هذا وأنا أعترف أني من المسئولين عن التقصير في هذا المجال. . .
من طرف المجالس:
اعتدت أن ألقي بعض الأصدقاء يوماً من الأسبوع بمشرب في القاهرة، وكثيراً ما أجد هناك من لا أرتاح إلى مجلسه، فأعتبر ذلك ضريبة للقاء الأصدقاء!
وذات يوم أقيل علينا صديق من غيبة طويلة، ففرحنا به وشاعت البهجة في نفوسنا لقدومه. وبينما نحن نمرح ونمزح إذا (ضريبة تصاعدية) تفرض علينا في شخص صاحب يأبى إلا أن يكون شاعراً، قد أعد قصيدة طويلة من الشعر (الوسط) فنغص علينا بإلقائها على أسماعنا. . . والبلوى بهذا الصاحب أنه لا عيب فيه إلا شعره الذي يحرص على ألا تفوتنا بدائعه! فلو أنه ممن لا تقتضي صحبته المودة لسهل التخلص من الإنصات لإنشاده. .
أفضيت بأمر هذا الشاعر إلى الأستاذ كامل كيلاني، فابتسم ثم قال: ألا تعرف أني قلت في مثله أبياتاً منها:
فزكاة صحبته سماع قصيدة ... أبياتها قد زلزلت زلزالا
فإذا أبيت فقد عققت صداقة ... وإذا رضيت فقد حملت جبالا