التي سجلها الفاتح على باب القلعة: وكان أثر هذا الاستقبال الفرنسي أن أوجد وعياً قومياً وحماساً في قلوبنا.
٤ - وأمضينا سهرة حول فتح طرابلس وسير حملتها، فإذا بالحديث يتناول قلعة الحصن أو حصن الأكراد وهي التي قامت منها الحملة التي استولت على طرابلس، وكان أن تقررت زيارتنا للحصن العتيد في يوم من أيام عام ١٩٤١ حينما كانت الحرب العالمية الثانية في أشد أدوارها وطأة: فقمنا في أكثر من ست سيارات على طريق حمص، وما كدنا نترك محطة تل كلخ حتى ظهرت لنا القلعة العظيمة بأبراجها تطل علينا من فوق رابية لا يقل ارتفاعها عن ستمائة وخمسين متراً عن سطح البحر، وهي في صمتها وعظمتها توحي إلى الناظر إليها بأنها تتحدى الأجيال. فكأن الزيارة الأولى جاءت من وحي الاستقبال الفرنسي، وأتت زيارة حصن الأكراد نتيجة لما لمسناه ورأيناه عند زيارة قلعة طرابلس: كان كل هذا بغير قصد معين.
٦ - وتمت هذه الزيارة في يوم بأكمله. فقد صعدت بنا السيارات إلى قمة المرتفع، ورأينا الأراضي الخصبة التي كان يسيطر عليها أصحاب الحصن، وظهر لنا البحر من بين المرتفعات: ورأينا كيف كان أهل الحصون يتخابرون بالنيران الموقدة.
وحينما نزلنا من السيارات واتجهنا إلى باب الحصن أخذتنا الرهبة لدى قراءة ما كتب بالخط النسخ الجميل من مثال العصور المملوكية القديمة من مصر. فأخذنا نحاول القراءة، فأتى إليها من باع لكل منا بطاقة قد صورت عليها الكتابة الخالدة:
٧ - بسم الله الرحمن الرحيم، أمر بتجديد هذا الحصن المبارك، في دولت مولانا الملك السلطان الملك الظاهر العالم العادل المجاهد المرابط. . . ركن الدنيا والدين أبو الفتوح بيبرس قسيم أمير المؤمنين، وذلك بتاريخ يوم الثلاثاء خامس وعشرين من شعبان سنة ٦٦٩
٨ - لا أخفي عنكم أنها كانت وكأنها نفحة من نفحات مصر تستقبلنا. أما أنا فقد كنت سريع الخطى، أقفز ذات اليمين وذات اليسار، كنت أرى الحصن بأبوابه وأبراجه وأسواره وطبقاته وكأنه قطعة من بلادنا.
وصعدت على الدرج وقلت من هنا صعد أبو الفتوح بجنده وأمرائه، ومررت إلى الرحبة