للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأولى فإذا الحصن الثاني له روعة أكبر من الروعة التي يراها الإنسان للباب الأول: ومن هذا المدخل يصعد الداخل إلى مكان القيادة، فرأيت كيف أبقى الزمن آثار أقدم الحرس، وحيث موضع الرماح التي كان يحملها الديادبة كنت أراها على يمين الداخل وشماله حتى صعدنا إلى الأماكن العالية: حيث كانت حجرات الرئيس ومائدته ومكان عبادته.

٩ - هذه هي النظرة الأولى لهذه الزيارة، وقد جعلتها موضوع حديثي الليلة، فلا تنتظروا مني أن أحدثكم حديث العالم في فن هندسة التحصين وعمارة القلاع قديمها وحديثها، ولا أن تسمعوا مني حديثاً في التاريخ وعلم الآثار، وإنما حديثي الليلة هو حديث رجل مرَّ بحصن من حصون القرون الوسطى فأخذته روعة المكان، وغمرته ذكريات عن بلاده وهو بعيد عنها، فإذا به ينادي هذه الحجارة القائمة، ويحدثها ويسعى إلى منادمة الماضي سعياً قد يجعل هذا المكان يبوح بسره وينطق بما كان عليه من أمجاد القرون الماضية.

١٠ - فالمعلومات التي أقدمها لم أحاول جمعها على طريقة علمية منطقية بالبطاقات، ولم تكن نتيجة خطة معينة، أو بحث قصدت به أن أقف بينكم اليوم لأنقله إليكم، وإنما هي نتيجة مطالعات متفرقة في أوقات متباعدة، وهذه المطالعات أثارتها زيارتي لهذا الأثر ورغبتي في إشباع نفسي منه.

١١ - فهناك فريق من الناس يؤمنون بأن قيمة بعض الأشياء هي في مقدار ما تثيره في أنفسهم من انتباه أو وعي أو رغبة في الاستزادة من التعرف إليها، ثم فيها تتركه هذه الأشياء في عقولهم وأذهانهم من دوافع قد تلازمهم مدة طويلة من الزمن، وتدفعهم إلى عمل أشياء نافعة أحياناً.

١٢ - وإني أتشرف باني من هؤلاء الذين يؤمنون بأن التاريخ والآثار وكثيراً من محاسن هذه الدنيا، هي حية مادامت تؤثر فينا وتجعلنا نشعر بشعور معين، وتحت إيحاء هذا الشعور نقوم بإتمام عمل من الأعمال النافعة المفيدة. وأعترف بأني مدين لزيارتي حصن الأكراد بشيء كبير من هذا الإيحاء الذي لازمني مدة طويلة ونفخ في روحي حماساً، للتعرف على أشياء، والإيمان بعصور كانت في مخيلتي قاتمة يحيط بها الكثير من الضباب. فأخذت أتحين الفرص لزيادة معلوماتي عنها وشغل أوقات الفراغ في تعرف هذه الأيام والكشف عما وراء الحجب من أشياء قد تكون معلومة لأهل الاختصاص، ولكنها

<<  <  ج:
ص:  >  >>