للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وعجب الناس للثعلب كيف خدع وهو الذي لم يتقن إلا الخديعة والمكر، وللذئب ما الذي أرضاه فقنع وإنه لا يقنعه إلا الفريسة البكر، وللحرباء لم شحب لونها وامتقع وإن وجهها ليتخذ ألف لون في كل شهر. . . وخف عجب الناس حين تبين لهم أن خيوط العنكبوت التي استحالت حبالا قد سولت للثعلب الماكر أن في مكنتها أن تصنع له المعجزات فواعدها سراً وعده المشئوم؛ وللذئب الكاسر أنها ستقتنص له الفرائس السمان فساعدها علانية على بيتها المزعوم؛ وللحرباء المتلونة أنها ستكون ملك يدها وطوع إشارتها فأيدت الباغي الغشوم، وانتصرت للظالم على المظلوم!

ولم يدر الثعلب على مكره، ولا الذئب على حذره، ولا الحرباء على نفاقها، أن العنكبوت على وهن خيوطها كانت أسرع منهم مكراً، وأكثر منهم حذراً، واشد منهم نفاقاً. . .

ثم تصرمت الأيام، وقويت الصلات بين هذه العناكب وأصحابها الثلاثة، فتعاهدوا على أن يدبروا لأسد الغاب مكيدة يخرجونه بها من عرينه، فإن الله قد ضرب على أذنه سنين عدداً، فنام نومة اللَّغب بعد أيام ذات نصب وعذاب، وغط وغطيط التعب إذ يحلم بالأماني العذاب، ولم يدر بخلده أن العناكب قد صنعت من حبالها شباكا، وأنها اغتنمت فرصة نومه فألقت عليه هذه الشبلك، وامتعانت بحيلة الثعلب وقوة الذئب وتدبير الحرباء على زحزحته عن موضع وقاده؛ فصحا في استرخاء الكسول، وتثاءب تثاؤب الملول، ثم ردد بصره في حيرة وذهول، كأنه لا يصدق شيئاً مما يرى، فما كان للثعلب أن يسعى للمكر به، وما كان للذئب أن تطوع له نفسه الدنو منه، ولا كان للحرباء - بلك الحرباء الحقيرة التي ليس لها سلاح إلا التلون والنفاق - أن تجرؤ على الغدر به؛ فليحاول تمزيق الشباك بأنيابه ومخالبه، وليزأر زئيره المرعب، وليثر ثورته الغاضبة، فلعل أشباك تسمع زئيره فتُصرخه، ولعلها لا تكون بعيدة عن العرين الذي رباها فيه، ولا نائمة في الغاب كما كان نائماً، ولا هي تغط مثلما كان يغط؛ أو لعلها لا تكون مشغولة بأكلها وشرابها، تعدو على الفرائس فتلتهمها، وترد العنون لتشرب ماءها، لاهية عن عرينها وعرين آبائها وأجدادها فإن للصوص لغدراً تضل معه حكمة الحكماء، وأن للجبناء لمكراً تعجز عنه شجاعة الشجعان. .

ولما سمع الثعلب والذئب والحرباء زئير الأسد نكصوا على أعقابهم وقد أصاب قلوبهم من

<<  <  ج:
ص:  >  >>