الهلع ما جعل دماءهم تجمد في عروقهم، وكادوا يلعنون للعناكب نقضهم لما أبرموا معها، ورجوعهم عما به وعدوها، وولائهم للأسد الذي يعرف كيف ينتقم لنفسه منهم ومنها، لولا أنهم رأوا أسرابها تغافل الأسد فتدب على ظهره، وتجري بين يديه، وتمشي فوق عينيه، وهو لا يكاد يحس بها لصغرها وحقارتها، فظن الأصحاب الثلاثة أن العناكب لم تعلُ رأس الأسد إلا لأنها أشد منه قوة، ولم تُقم من جسده حيث تشاء إلا لأنها أعظم منه بأساً؛ واستطاعوا أن يستعيدوا رباطة جأشهم، وطفقوا يهتفون للعناكب هتاف الإعجاب والتشجيع، بل استبد بهم الغرور، فنادوا الفيَلةَ والنمور، والدببة والقرود، حتى الغزلان والفهود، والبغال والحمير، والهررة والكلاب، لينقلبوا على سيد الغاب، ويعترفوا بعرينه للعناكب، فهذه شريعة الذئاب والحرباوات والثعالب!.
واجتمعت على أصواتهم الوحوش الشرسة، والحيوانات الأليفة: فمنها ما كان يعوي، ومنها ما كان يزمجر ومنها ما كان ينبح، ومنها ما كان ينهق، ومنها ما كان يخور؛ فاختلطت من أصواتها النكراء موسيقى عجيبة لا تطرب من الناس أحدا إلا ترومان الأحمق، وأتلى الطائش، وستالين المغرور.
بيد أن هذه الأصوات لن تغني العناكب شيئاً، فلقد سمع الأشبال زئير الأسد، فصحوا من نومهم كما صحا من نومه، وتناسوا أحلامهم كما تناسى أحلامه، وأقسموا لا يذوقون الأكل ولا الشراب، حتى يخرجوا العناكب من الغاب، ويلقوا درساً بليغاً على الثعالب والحرباوات والذئاب. . .
وإن سهول مصر وجبال لبنان، وبطاح سورية وواحات العراق، وأودية الأردن ونجود الحجاز، ورمال الجزائر ورياض اليمن، وإن كل بقعة تهتف بالإسلام، وكل أرض تنطق بالضاد لتنظر من بعيد إلى البلاد المقدسة. . . إلى فلسطين عرين العروبة لترى رأي العين كيف ينتصر أشبالها الأشاوس، وكيف يحفظون البيت لأسياده، وكيف يمزقون بنفخة واحدة ما نسجته يد العنكبوت.
يومئذ تندم بريطانيا التي ظنت أنها تخدع ولا تخدع، وتعض أناملها من الغيظ أمريكا التي عرفها العالم تأكل ولا تشبع، وتزهق نفس روسيا التي دمرت على النفاق ولم تخشع. . ويومئذ تعلم العنكبوت البلهاء أن الأولياء الذين اتخذتهم من دون الله لا يستطيعون أن يبنوا