إلى حد أن تقف آنسة مهذبة تكشف عن رأسها تبكي وتستبكي سواها معها من أجل الزواج. . .)
وأنا فلست أدري والله ممَّ تعجب هذه الكاتبة وإني لأعجب من عجبها وأراها كالتي تكتب عبثاً وهزلاً وهويني مُظهرة الجد والقصد والغضب. أئن أطلق للنساء أن يثرن كما تقول الكاتبة، وجاهد فلان وفلان في هذه الثورة فأخذت مأخذها، فانطلقت لشأنها، فأوغلت في حريتها، فامتد بها أمدها شوطاً بعد شوط - ثم جاء خُلُقٌ من أخلاق المرأة يسفر سفوره ويرفع الحجاب عن طبيعته ثائراً هو أيضاً في غير مداراة ولا حذق ولا كياسة يريد أن يقتحم طريقه ويسلك سبيله، ثم وقف على رغمه في الطريق منكسراً مما به من اللهفة والوثبة يتوجع، يتنهد، يتلذّع بهذه المعاني وهذه الكلمات - أئن وقع ذلك جاءت كاتبة من كاتبات السفور تقول للمرأة: جرى عليك وكنتِ حرة، وتزعزعت وكنت طاهرة. أفلا تقول لها: سفرت أخلاقك إذ كنت سافرة بارزة، وضاع حياؤك إذ كنتُ مُخلاة مهملة، وغلوت إذ كنت في المبالغة من البدء. أفلا تقول لها: لقد تلطفت فجئت بالمعنى المجازي لكلمة (العُرى) ولقد أبدعت فكنت امرأة ظريفة اجتماعية مخيلة للشعر والفن، وحققت أن واجب الظريفة الجميلة إعطاءُ الفن غذاءً من، ومن ومن لحمها. . . .
نعم إن قاسم أمين - رحمه الله - لم يكن يظن. . ولكن أما كان ينبغي أن يظن أن بعض الصواب في الخطأ لا يجعل الخطأ صواباً؟ بل هو أحرى أن يلبسه على الناس فيُشبهه عليهم بالحق وما هو به، ويجعلهم يسكنون إليه ويأمنون جانبه فينتهي بهم يوماً إلى أن ينتسف خطؤه صوابه، ويغطي باطله على حقه، ثم تستطرق إليه عوامل لم تكن فيه من قبل، ولا كانت تجد إليه السبيل وهو خطأ محض، فتمد له في الغي مداً. ثم تنتهي هي أيضاً إلى نهايتها، وتؤول إلى حقائقها؛ فإذا كل ذلك قد داخل بعضه بعضاً، وإذا الشر لا يقف عندما كان عليه، وإذا البلاء ليس في نوع واحد بل أنواع.
ما يرتاب أحد في نية قاسم أمين، ولا نزعم أن له حفِيّة سوء أو مُضمَر شر فيما دعا إليه من تلك الدعوة، ولكني أنا أرتاب في كفايته لما كان أخذ نفسه به، وأراه قد تكلّف مالا يُحسن، وذهب يقول في تأويل القرآن وهو لا ينفذ إلى حقائقه ولا يستبطن أسرار عربيّته، وكان مناظروه في عصره قوماً ضعفاء فاستعلاهم بضعفهم لا بقوته، وكانت كلمة الحجاب