قد انتفخت في ذهنه بعد أن أفرغت معانيها الدقيقة، فأخذها ممتلئة وجاء بها فارغة، وقال للنساء غَيّرن وبدّلن؛ فلما أطعنه وبدّلن وغيّرن، وجاء الزمن بما يفسر الكلمة من حقائقه وتصاريفه لا من خيالات المتخيّل أو المتشيّع - إذا معنى التغيير والتبديل هو ما رأيتَ، وإذا الحجاب الأول على ضلاله كان نصف الشر، وإذا المرأة التي ربحت الشارع هي التي خسرت الزوج! وإذا تلك الدعوة لم تكن نفياً للحجاب عن المرأة، ولكن نفياً للمرأة ذاتِها وراء حدود الأسرة كأنها مجرمة عوقبت على فساد سياستها؛ وهي في بيتها، ولكنها مع ذلك منفية من مستقبلها.
كانوا يحتجون لنفي الحجاب بالفلاّحات في سفورهن؛ وغفلوا أقبح الغفلة عن السبب الطبيعي في ذلك، وهو أن السفور إنما عمّهنّ من كونهن لسن في المنزلة الاجتماعية أكثر من بهائم إنسانية مؤنثة. ومثل هذا السفور لا يكون على طبيعته تلك إلا في اجتماع طبيعي فطري أساسه الخلط في الأعمال لا التمييز بينها، والاشتراك في شيء واحد، هو كسب القوت لا الانفراد بما فوق ذلك من أشياء النفس.
ولست أرى هذه اللجاجة، أو (الحيوية الصارخة) التي ثارت بفتياتنا - إلا تمرداً من طبيعتهن على الأحوال الظالمة المتصرفة بها؛ ويحسبنه توسعاً من الطبيعة في الحرية، وطلباً للعالم كله بعد الشارع، وللحقوق كلها بعد نبذ الحجاب؛ وهو في الحقيقة ليس إلا ثورة الطبيعة النسوية على خيبتها مما أصابت من الحرية والشارع والعالم والحقوق، ورغبة منها في أن تُحدّ بحدودها ويُؤخذ منها العالم كله بما فيه، وتُعطَى البيت وحده بما فيه.
إذا أنت كشفت جذور الشجرة لتطلقها بزعمك من حجابها وتخرجها إلى النور والحرية فإنما أعطيتها النور، ولكن معه الضعف؛ والحرية، ومعها الانتقاض؛ وتكون قد أخرجتها من حجابها ومن طبيعتها معاً؛ فخذها بعد ذلك خشباً لا ثمراً، ومنظرَ شجرة لا شجرة! لقد أعطيتها من علمك لا من حياتها، وجهلت أنها من أطباق الثرى في قانون حياتها، لا في قانون حجابها. أفليست كذلك جذور الشجرة الإنسانية؟
كل ما يتغير يسهل تغييره على من شاء، ولكن النتائج الآتية من التغيير لا تكون إلا حتماً مقضياً كما يُقضى فلن يسهل تبديلها، ولا تحويلها ولا رَدّها أن تقع. وقد أخطأ جماعة السفور، بل أنا أقول: إنهم جاءونا بالجاهلية الثانية، وإنهم طبّو للمرأة المسلمة كذلك الطبّ