وما هو الحجاب إلا حفظ روحانية المرأة للمرأة، وإغلاءُ سعرها في الاجتماع، وصونُها من التبذل الممقوت لضبطها في حدود كحدود الربح من هذا القانون الصارم؛ قانون العَرض والطلب والارتفاعُ بها أن تكون سلعة بائرة ينادَى عليها في مدارج الطرق والأسواق: العيون الكحيله، الخدود الوردية، الشفاه الياقوتية، الثغور اللؤلؤية، الأعطاف المرتجّة، اليهود الـ. . الـ. . أو ليس فتياتنا قد انتهين من الكساد بعد نبذُ الحجاب إلى هذه الغاية، وأصبحن إن لم ينادين على أنفسهن بمثل هذا فإنهن لا يظهرن في الطرق إلا لتنادى أجسامُهن بمثل هذا؟ وهذه التي كتبت اليوم تطلبهم مخادنين إن أخطأتهم أزواجاً، وتفتّش عليهم تفتيشاً بين الزوجات والأمهات والأخوات! هل تريد إلا أن تثب درجة أخرى في مخزيات هذا التطور، فتمشي في الطريق مشي الأنثى من البهائم طموحاً مطروقة، تذهب عيناها هنا وههنا تلتمس من يخطو إليها الخطوة المقابلة. . .
ما هو الحجاب الشرعي إلا أن يكون تربية عملية على طريقة استحكام العادة لأسمى طباع المرأة واختصها الرحمة؛ هذه الصفة النادرة التي يقوم الاجتماع الإنساني على نزعها والمنازعة فيها ما دامت سنة الحياة نزاعَ البقاء، فيكون البيت اجتماعاً خاصاً مسالماً للفرد تحفظ المرأة به منزلتها، وتؤدي فيه عملها، وتكون مغرساً للإنسانية وغارسة لصفاتها معاً.
لقد رأينا مواليد الحيوان تولّد كلها: إما ساعية كاسبة لوقتها، وإما محتاجة إلى الحضانة وقتاً قليلاً لا يلبث أن ينقضي فتكدح لعيشها؛ إذ كانت غاية الحيوان هي الوجود في ذاته لا في نوعه، وكان بذلك في الأسفل لا في الأعلى. غير أن طفل المرأة يكون في بطنها جنيناً تسعة أشهر؛ ثم يولد ليكون معها جنيناً في صفاتها وأخلاقها ورحمتها أضعاف ذلك سنة بكل شهر. فهل الحجاب إلا قصرُ هذه المرأة على عملها لتجويده وإتقانه وإخراجه كاملاً ما استطاعت؛ وهل قصرها في حجابها إلا تربية طبيعية لرحمتها وصبرها، ثم تربية بعد ذلك لمن حولها برحمتها وصبرها؟
أعرف معلمة ذات ولد، تترك ابنها في أيدي الخدم بعد وصاة علمية سيكولوجية. . وتمضي ذاهبة عن يمين الصباح ويمضي زوجها عن شماله. . وقد رأيت هذا الطفل مرة فرأيته شيئاً جديداً غير الأطفال، له سمة روحانية غير سماتهم، كأنما يقول لي إنه ليس لي أب