وقد كنت كتبت كلمة عن الحجاب الإسلامي قلت فيها:(ما كان الحجاب مضروباً على المرأة نفسها، بل على حدود من الأخلاق أن تجاوز مقدارها أو يخالطها السوء أو يتدسس إليها؛ فكل ما أدى إلى هذه الغاية فهو الحجاب، وليس يؤدّي شيء إلا أن تكون المرأة امرأة في دائرة بيتها، ثم إنساناً فقط فيما وراء هذه الدائرة إلى آخر حدود المعاني.)
وهذا هو الرأي الذي لم ينتبه إليه أحد، فليس الحجاب إلا كالرمز لما وراءه من أخلاقه ومعانيه وروحه الدينية المعبديّة وهو كالصدفة لا تحجب اللؤلؤة ولكن تربيتها في الحجاب تربية لؤلؤية؛ فوراء الحجاب الشرعي الصحيح معاني التوازن والاستقرار والهدوء والإضطراد وأخلاق هذه المعاني وروحها الديني القوي الذي ينشئ عجيبة الأخلاق الإنسانية كلها؛ أي صبر المرأة وإيثارها. وعلى هذين تقوم قوة الدافعة، وهذه القوة هي تمام الأخلاق الأدبية كلها، وهي سر المرأة الكاملة؛ فلن تجد الأخلاق على أتمها وأحسنها وأقواها إلا في المرأة ذات الدين والصبر والمدافعة. إنها فيها تشبه أخلاق نبي من الأنبياء.
وقد مُحق الدين والصبر، وتراخت قوة المدافعة في أكثر الفتيات المتعلمات، فابتلين من ذلك بالضجر والملل، وتشويه النفس؛ ووقع فيهن معنى كمعنى العفن في الثمرة الناضجة؛ وجهلن بالعلم حتى طبيعتهن فما منهن من عرفت أن طبيعتها سلبية في ذاتها، وأنه لا يشدّها ويقيمها إلا الصفات السلبية، وملاكها الصبر فروعه وأصوله، وجمالها الحياء والعفة، ورمزها وحارسها والمعين عليها هو الحجاب وحده. إنه إن لم يكن في المرأة هذا فليست المرأة إلا بهذا.
وما تخطئ المرأة في شيء خطأها في محاولة تبديل طبيعتها وجعلها إيجابية، وانتحالها صفات الإيجاب، وتمردها على صفات السلب كما يقع لعهدنا، فإن هذا لن يتم للمرأة، ولن يكون منه إلا أن تعتبر هذه المرأة نقائض أخلاقها من أخلاقها كما نرى في أوربا، وفي الشرق من أثر أوربا. فمن هذا تلقى الفتاة حياءها وتبذؤ وتفحش، إن لم يكن بالألفاظ والمعاني جميعاً فبالمعاني وحدها، وإن لم يكن بهذه ولا بتلك فبالفكر في هذه وتلك؛ وكانت الاستجابة لهذا مافشا من الروايات الساقطة والمجلات العارية؛ فإن هذه وهذه ليست شيئاً إلا أن تكون علم الفكر الساقط.