وعادت الفتاة من ذلك لا تبتغي إلا أن تكون امرأة رواية؛ إما فوق الحياة، وإما في حقائق جميلة تختارها اختياراً وتفرضها فرضاً على القدر! وتنسى الحمقاء أنها أحد الطرفين، وليست الطرفين جميعاً، فتحاول أن تقرر للحياة الجديدة تأويلاً جديداً لمعاني الشرف والكرامة والعرض والنسب وما إليها؛ فانسلخت من كل شيء، ثم لما أعجزها أن تنسلخ من غريزة الأنوثة طاشت طيشها الأخير فانسلخت من إنسانية الغريزة
أما إن غلطة الرجل في المرأة لا تكون إلا من غلطة المرأة في نفسها، وهي قد أعطيت في طبيعتها كل معاني حجابها؛ فإحساسها محتجب مختبئ أبداً كأنه في أتب وملاءة وبرقع وأفكارها طويلة الحذر لا تبرحها كأنها الحارث الثابت في موضعه القائم بسلاحه على حفظ هذا الجسم الجميل؛ وطول التأمل موكل بها كأن عمله مصاحبة وحدتها لتخفيفها على نفسها والترفيه منها؛ والدنيا حول المرأة بمذاهب أقدارها، ولكن لها دنيا في داخلها هي قلبها تذهب الأقدار فيه مذاهب أخرى؛ وضغطة الحياة طبيعته فيها حتى لا يساورها هم من الهموم إلا صار كأنه من عادتها والتي تمزقها الحياة كلما ولدت لا تكون الحياة إلا رحيمة بها إذا ضغطتها.
فخروج المرأة من حجابها خروج من صفاتها، فهو إضعاف لها، وتضرية للرجال بها، وماذا تجدي عادة الحذر إذا أفسدتها عادة الاسترسال والاندفاع، فيكون حذراً ليكون إغفالاً، ثم يكون إغفالاً ليعهد الزلة والغلطة؛ ومتى رجع غلطةً فهذا أول السقوط ومبدأ الانقلاب والتحوّل. وليس الفرق بين امرأة نفور من الريبة، شموسٍ لا تطالع الرجال ولا تُطمعهم؛ وبين امرأة قرور على الريبة، هلوكٍ فاجرة - إلا حجاب الحذر أسدل على واحدة، وانكشف عن أخرى.
وإذا قرتْ المرأة في فضائلها فإنما هي في حجابها ودينها، وإنما ذلك الحجاب ضابط حريتها الصحيحة، باعتبارها امرأة غير الرجل؛ فهو مسمى بالحجاب لاتصاله بالحرية وضبه لها، ولكن الضعفاء الذين يعرفون ظاهراً من الرأي لا يدركون مذهبه، ولا يحققون ما ينتهي إليه، وينفذون في حكمهم على الظاهر لا على البصيرة - هؤلاء لا يعرفون معنى الحجاب إلا في القماش والكساء والأبنية، كأن حجاب الأخلاق النسوية شيء يصنعه الحائك والباني والمستعبد، ولا تصنعه الشريعة والأدب والحياة الاجتماعية، فهم كما ترى حين