٢٧ - ذلك لأن أغلب حملات الحروب الصليبية قد أصبحت معروفة ومتداولة، ولم يعد من المفيد إعادة الكثير مما قرأه الناس عنها: ثم قد يتسع البحث إلى مناطق تبعدنا عن الغاية التي رسمناها لأنفسنا وهي حصن الأكراد وزيارته.
٢٨ - ولذلك سنشير إلى المنطقة التي فيها حصن الأكراد وأثرها في الحروب الصليبية، ونأتي ببعض النتائج التي حصلنا عليها من أثر هذه الحروب فينا.
٢٩ - يفسر الأتاتورك مصطفى كمال رئيس الجمهورية السابق تاريخ الحروب الصليبية بأنها الهجوم المضاد الأول من الدول المسيحية ضد الإسلام: لأن الفتوحات الإسلامية وانتصارات المسلمين أثارت بوقفتها هجوماً مضاداً فهو يرى أن حروب الصليبين الأولى كادت تقتلع ملك المسلمين بأكمله، وأن وقفة الحروب الصليبية في الامارات اللاتينية أوجد الحرب الثابتة في المراكز المحصنة، والتي دامت حتى أتم المسلمون أهبتهم، وجاءت هجماتهم التالية التي قدفت بالفرنج إلى الساحل: فكانت الرد على الهجوم المضاد المسيحي.
٣٠ - ففي فترة الهدوء والاستجمام بين الهجومين أنشأ الصليبيون خطاً من الحصون والقلاع، يبدأ من خليج العقبة ويمر بالكرك والشوبك، ويلتقي مع سلسلة الحصون التي تحمي إنطاكية، وتنحدر مع جبال العلويين حتى جبل لبنان.
ففي منطقة الوسط تماماً يقع مثلث مكون من الحصون الثلاثة: في شمال مصياف، وفي الجنوب حصن الأكراد، وإلى الغرب صافيتا
٣١ - فهذا المثلث الواقع على منطقة جبلية يسيطر على عدة طرق حيوية بالنسبة لمقاطعة طرابلس الصليبية، وعلى مناطق زراعية خصبة تجعل المحتلين لهذه القلاع لا يهتمون بغير قلاعهم وأملاكهم، ويسهل عليهم الاتصال فيما بينهم بالنيران لتبادل المساعدة، ولصد كل عدوان يأتي إليهم. ولذلك استمرت هذه البقعة شوكة في جنب المسلمين منذ أيام صلاح الدين ومن قبله إلى أيام الملك الظاهر بيبرس.
٣٢ - والحرب هي الحرب في كل الأزمان تتطور قواعدها وأساليبها ولا تتبدل أهدافها. فهدفها الأول: هو تحطيم قوة المقاومة لدى الخصم وتدميره.
ولا شك في أن الحملات الصليبية الأولى لم تصل إلى أغراضها؛ فإن قوة المسلمين لم تحطم في يوم من الأيام - وإن الفترة بين دخولهم فلسطين وإخراج صلاح الدين لهم من