القدس بعد معركة خطين كانت من فترات الثبات والتركز كما قال مصطفى كمال. وقد دامت ٩٠ عاماً - وكانت كل المعارك الصغيرة من قبيل الهجمات التعرضية التي يقوم بها جيش من وراء الاستحكامات ثم يعود إليها بعد إتمام غرضه.
٣٣ - هذه الاستحكامات الدائمة هي القلاع التي أشرنا إليها والتي تمكن صلاح الدين بعد هجومه العام من انتزاع أكثرها من أيدي الصليبيين، ولكنه توفى قبل أن يتم العمل الذي بدأه لذلك وبقى حصن الأكراد لم يسلم إليه، وعادت حالة الاستقرار والهدوء من وراء القلاع، وإن كانت تغيرت عقلية ملوك الصليبيين فأصبحت مصر هدفاً لحملاتهم للقضاء عليها حتى يتم لهم تحطيم قوة المسلمين وتدميرها تدميراً تاماً.
٣٤ - وهناك حقيقة لابد من إعلانها وهي تتلخص في إفلاس الخلافتين العباسية في بغداد والفاطمية في مصر في اتخاذ موقف يسمح لكل واحدة أو لكلتيهما معاً من البروز كقوة مجاهدة مكافحة تصلح لقيادة المسلمين في عراك يمثل الموت والحياة للعالم الإسلامي، فهذا الموقف السلبي انتهى بهما إلى النتيجة الطبيقية المحتمة وهي زوال الخلافة الفاطمية من الوجود وضعف الخلافة العباسية إلى أن صفيت على يد هولاكو.
٣٥ - والقارئ لأخبار الصليبيين عند نزولهم لدمياط وخصوصاً لأخبار نشاطهم وحماسهم عندما وصلت لهم أنباء استيلاء التتار على بغداد يخيل إليه أن قواد الصليبيين قد وثقوا من أن العالم الإسلامي قد زال من الوجود بزوالها مع أن أثر الخلافة العباسية كان ضئيلا جداً في الحروب الصليبية لدرجة لا يصدقها العقل
٣٦ - والفضل الأكبر في صد الحروب الصليبية وإعداد أول هجوم إسلامي على معاقل الصليبيين في فلسطين هو لمصر تحت قيادة صلاح الدين الذي ورث هذا النشاط عن نور الدين الشهير.
وهذا ما أدركه كتاب الصليبيين، وما شعر به قوادهم بعد وقت طويل، وما باح به الجنرال كاترو بقوله: إن مصر في مطالبتها بعودة الدستور والحياة النيابية في سوريا ولبنان إنما تريد أن أن تعلب الدور الذي لعبه من قبل صلاح الدين في شئون دمشق
٣٧ - والعمل الحاسم لآخر هجوم إسلامي كان لمصر تحت قيادة الملك الظاهر بيبرس هذا الهجوم العام الذي سقطت فيه إنطاكية وحصون الشمال، وأخيراً حصن الأكراد وغيره من