القرأن والشريعة كالتفسير والحديث والفقه كان أقل من عدد العلماء من غير العرب في هذه العلوم أيضاً.
ومن الأمور التي استرعت نظر الأستاذ ادوارد براون فأشار إليها في مؤلفه (الطب الإسلامي) إن الأطباء العرب ولاسيما المسلمين منهم لم يكونوا محل ثقة العرب واعتمادهم في العلاج؛ وقلما كانوا يرجعون إليهم في ذلك. ويستشهد الأستاذ براون برواية ذكرها الجاحظ في كتاب البخلاء عن طبيب مسلم من العرب اسمه أسد بن جاني أكسد، فقال له قائل:(السنة وبئة والأمراض فاشية وأنت عالم ولك جد وخدمة، ولك بيان ومعرفة، فمن اين تأتي هذا الكساد؟ قال أما واحدة فإني عندهم مسلم، وقد اعتقد القوم قبل أن أتطبب، بل قبل أن أخلق، أن المسلمين لا يفلحون في الطب، واسمي أسد، وكان ينبغي أن يكون اسمي صليباً ومرايل ويوحنا وبيرا (ويقصد الأسماء اليونانية أو السريانية أو الآرامية) وكنيتي أبو الحارث، وكان ينبغي أن تكون أبو عيسى وأبو زكريا وأبو إبراهيم (أي كنى اليهود أو النصارى) وعلى رداء قطن أبيض، وكان ينبغي أن يكون رداء حرير أسود؛ ولفظي لفظ عربي، وكان ينبغي أن تكون لغتي لغة أهل جند يسابور (يقصد لسان أهل إيران). والخلاصة أن معظم الأطباء الكبار من المسلمين في عصر النهضة العلمية والاستقلال الفكري في الإسلام كانوا من الإيرانيين، وكان أطباء هذه الحقبة من أصحاب الرأي والنظر مما جازوا مرحلة التقليد والتسليم لآراء أسلافهم؛ فإنهم كانوا يبذلون غاية الجهد ويعملون رأيهم فيميزون بين الصحيح والسقيم من الآراء، ويضيفون إليها من عندهم الشيء الكثير؛ وخير مثال لهؤلاء محمد بن زكريا الرازي الذي جمع في مؤلفيه كتاب المنصوري وكتاب الحاوي كل المعارف الطبية التي كانت موجودة في زمنه من مؤلفات من سبقه من الأطباء من يونانية وغير يونانية، ونقدها نقداً علمياً يدل على علو كعبه وطول باعه وإحاطته التامة، وزاد عليها مشاهداته وتجاربه الشخصية، كما أنه ألف كتاباً في الحصبة والجدري، ولم يكن أحد من الأطباء الذين سبقوه، قد عرف أن هذين المرضين مرضان مستقلان. وله غير هذه الكتب رسائل خاصة عن تجاربه الشخصية ومطالعاته في البيمارستانات، وبجانب فراش المرضى، ورسائل أخرى في المبادئ الخلقية التي يجب على الطبيب مراعاتها والسير بموجبها بحكم الواجب، وفي هذه الرسائل أيضاً تتجلى اختباراته الشخصية