والخلاصة أن أكثر المؤلفات التي نقلت في عهد المأمون إلى العربية كانت تراجم متقنة تدل على دقة المترجمين وحسن قريحتهم، وأن تبويب الكتب المترجمة إلى فصول ومقالات وأبواب مع ذكر المراجع والمصادر التي نقلت عنها التراجم تدل على ذوقهم السليم.
وبعد أن تعرف المسلمون عن طريق هذه التراجم على مصادر الطب الأصلية، وبعد أن عم البحث العلمي وأنشئت البيمارستانات والمعاهد العلمية وتكونت حلقات الدرس - ولهذا بحث مهم خاص ليس الآن محله - بدأ دور استقلال الأطباء المسلمين في بحثهم وتأليفهم. وفي هذا العهد الجديد شرع هؤلاء بتدوين ما فهموه من التراجم في مؤلفات خاصة حسب ذوقهم الخاص، وأضافوا إلى ذلك كله خلاصة مطالعاتهم وتجاربهم الشخصية فكان من نتاج ذلك كتب مستقلة في الطب للمؤلفين المسلمين.
وكان لمسلمي إيران خدمات مهمة في هذا الباب أيضاً لسابقتهم وماضيهم الطويل في الطب منذ عهد الساسانيين بفضل المدارس الطبية العظيمة التي كانت في إيران ومنها مدرسة جنديسابور. لذلك فإن كثيراً من الأطباء ذوي الرأي والنظر والأساتذة الكبار والمؤلفين المشهورين كانوا من الإيرانيين ولاسيما في القسم الشرقي من البلاد الإسلامية.
أم الطب في المغرب والأندلس، فإن له بحثاً خاصاً مستقلا؛ والكلام في أحوال فلاسفة تلك البلاد وأطبائها كابن رشد وابن زهر وخلف بن العباس الزهراوي الشهير بجراح العرب وابن جلجل وابن وافد واسحق بن عمران وأحمد بن الجزار القيرواني وأضرابهم، يحتاج لبحث طويل في عدة محاضرات، ولاسيما الكلام عن أثرهم في البلاد المجاورة لأسبانيا والطلبة الذين وفدوا إلى الأندلس من سائر بلاد اوروبا للدرس والتحصيل، والكتب العربية التي نقلوها إلى اللاتينية والعبرية وغيرهما - وهذه كلها أمور ذات شأن تقتضينا أن ندرسها دراسة عميقة، ونخصها بمحاضرة أخرى إن سمح الوقت بذلك.
كان أكبر هَمِّ معظم العرب في العصور الإسلامية الأولى هو درس اللغة العربية وعلوم القرآن والشريعة، ولم يكونوا ليهتموا كثيراً بسائر العلوم.
يقول جولد زيهير المستشرق المعروف وهو من أكبر المستشرقين تضلعاً في اللغة العربية، وله اطلاع واسع على الفقه الإسلامي - إن عدد علماء العرب حتى في علوم