رأسه وجعل يقول: اللهم اغفر للمعتصم حتى بططته. فأخذت القطعة الميتة ورميت بها، وشددت العصابة عليه، وهو لا يزيد على قوله: اللهم اغفر للمعتصم. قال: ثم هدأ وسكن؛ ثم قال: كأني كنت معلقاً فأحدرت. قلت: يا أبا عبد الله إن الناس إذا امتحنوا محنة دعوا على من ظلمهم، ورأيتك تدعو للمعتصم. قال: إني فكرت فيما تقول، وهو ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فكرهت أن آتي يوم القيامة وبيني وبين أحد من قرابته خصومة. هو مني في حلّ.
ومن حكاياته أيضاً: أنبأنا محمد بن صالح الطبري بالصيمرة، حدثنا محمد بن عثمان العجلي قال: لما حدث شريك بحديث الأعمش عن سالم عن ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: استقيموا لقريش ما استقاموا لكم، فإذا خالفوكم فضعوا سيوفكم على عواتقكم فأبيدوا خضراءهم؛ فإن لم تفعلوا فكونوا زراعين أشقياء. فسعى به إلى المهدي فبعث إلى شريك فأتاه فقال: حدثت بها؟ قال: نعم. قال: عمن رويتها؟ قلت: عن الأعمش. قال: وبلى عليه! لو عرفت مكان قبره لأخرجته فأحرقته بالنار. قلت: إن كان لمأموناً على ما روى. قال: يا زنديق لأقتلنك. قلت: الزنديق من يشرب الخمر ويسفك الدم قال: والله لأقتلنك. قلت: والله لأقتلنك. قلت: أو يكفي الله. قال: فخرجنا من عند فاستقبلني الفضل بن الربيع فقال: ليس لك موضع تهرب إليه. قلت: بلى. قال: فانه أمر بقتلك. قال: فخرجت إلى جبل، فخرجت يوماً أتجسس الخبر فأقبل ملاح من بغداد، فاستقبله ملاح آخر من البصرة؛ فسأله: ما الخبر؟ قال: مات أمير المؤمنين. قلت يا ملاح قرب فقرب.
الماوردي سنة ٤٥٠
إمام في الفقه والأصول والتفسير، بصير بالعربية، كاتب من الطراز الاول؛ نشأ في البصرة، وتولى القضاء في بلدان كثيرة، وكان شافعي المذهب، وقيل إن فيه عبقة من الاعتزال. صنف كتباً لم ينشر بالطبع منها غير (الأحكام السلطانية) و (أدب الدنيا والدين) و (أعلام النبوة) و (قانون الوزارة)، ومن كتبه الضائعة (الحاوي) في الفقه، قيل لم يصنف مثله. وله تفسير القرآن الكريم، والنكت والعيون، والإقناع في المذهب، وغير ذلك، وعمَّر ستاً وثمانين سنة وسكن بغداد بأخرة.
هذا موجز ما ترجم له المترجمون، وما أثر من كتبه غاية الإبداع في تصنيفه، تظهر فيها