لهواه:
ليت ذا الدهر كان حتما علينا ... كل يومين حجة واعتمارا
وهكذا كان ينظر هو وأترابه لأيام الحج:
تلبث حولا كاملا كله ... لا نلتقي إلا على منهج
في الحج إن حجت وماذا مني ... وأهله إن هي لم تحجج
ما منىً وما أهله إن لم يلق صاحبته؟
ولم أر كالتجمير منظر ناظر ... ولا كليالي الحج أفلتن ذاهوى
وكم مالئ عينيه من شيء غيره ... إذا راح نحو الجمرة البيض كالدمى
نعم كان شعره السحر، يستميل به القلوب، ويستنزل به المتأبى، ويتأنس الشارد، وينزل الأعصم من فنده، وكأنما انفجر له - وحده - ينبوع الشعر الغزِل، فورد منه المنهل الصافي النمير. وليس هناك شك في أن سؤوات الناس، بل وعامتهم أحسوا بالشر يتمثل في شعره، ورأوا رءوس الشياطين تطل من قوافيه، فخافوا على فتياتهم أن يتصباهن هذا العبث، ومنعوا أن تدخل دفاتره البيوت، أو يسمر به مع ربات الخدور، وقالوا: (ما دخل على العواتق في خدورهن شيء أضر عليهن من شعر عمر بن أبي ربيعة). وقال هشام بن عروة: (لا ترووا فتياتكم شعر عمر لا يتورطن في الزنا تورطاً).
غير أن هذا الشاعر يتنصل من كل ما ينسبه إلى نفسه، ويزعم أنه يقول وقلبه مطمئن بالإيمان، ويذيع في الناس.
إني امرؤ مولع الحسن أتبعه ... لا خطر لي منه إلا لذة النظر
وما نلت منها محرماً غير أننا ... كلانا من الثوب المورد لابس
نجيين نقضي اللهو في غير مأتم ... وإن رغمت مِ الكاشحين المعاطس
ويساير بعض فتيان قريش، وقد تقدمت به السن فيقول له: يا ابن أخي قد سمعتني أقول في شعري: قلت لها وقالت لي، وكل مملوك لي حر إن كنت كشفت عن فرج حرام قط، فيقول الفتى: قمت وأنا متشكك في يمينه فسألت عن رقيقه فقيل لي: أما في الحوك فله سبعون سوى غيرهم.
ويمرض فيجزع أخوه الحارث جزعاً شديداً، فيقول له عمر: أحسبك إنما تجزع لما تظنه