ومميزاته الأدبية سواء كان مشروعاً أو قاضياً أو محاميا. . .)
ولقد فصلت هذا القول بالكلام عن حاجة رجال التشريع والقضاء والمحاماة إلى الأدب ومنه قولي:(والقاضي يجب أن يكون أديباً يحسن الأنابة عن وجوه الحق، قادراً على مناقشة دفوع. المحامين اللحانين بلغة صحيحة لا تترك لهم مجالا للبحث أو التذمر. تقرأ قراراته فتقرأ علماً وأدبا يستهويانك وإن لم تكن ذا صلة بها، وكثير من المثقفين يقرأون أحكام بعض القضاة فيعجبون بالتفكير السليم والفقه القانوني يعرض بأسلوب متين ولغة راقية، بينما يعرض المشتغلون بالقانون عن تتبع أحكام أكثر المحاكم لضعف لغتها وتفكك أسلوبها مما يشوه المادة القانونية إن وجدت فيها) ثم ضربت مثلا فقلت: (فالميزات الأدبية، مثلا، هي التي جعلت نجم القاضي سعد زغلول يتألق في سماء القضاء كما تألق في سماء السياسة والوطنية. وشخصية سعد القاضي كانت موضوعاً طريفاً طرقه أحد رجال القانون الأدباء، عزز به مكانة سعد في النفوس وأضاف إلى شخصيته لوناً جديداً من ألوان الخلود).
وكان كلامي هذا صورة حاطفة وأثراً من آثار قراءتي لكتاب (سعد زغلول من أقضيته) يوم صدوره. أما اليوم فلابد من عودة إلى (سعد) عودة فيها تؤدة (القاضي) وتدقيقه واستيعابه، وفيها دراسة التلميذ الطموح لشخصية يعتقد أن صاحبها مثال يحتذي ومرشد تقتفي آثاره، وقائع تستلهم من روحه الشجاعة بعد أن قرر لهذا التلميذ النزول إلى ساحة الجهاد التي خلف الزعيم فيها آيات من الجهد والبطولة.
كتاب الزيات:
لاشك في أن كتاب الأستاذ الزيات يعتبر أول كتاب من نوعه في العربية، فموضوعه شخصية سعد زغلول من خلال أحكامه في القضاء، وبالرغم من صعوبة العمل الذي أخذه المؤلف على عاتقه، ووعورة الطرق التي سلكها توصلا إلى غايته، فقد انتهى إليها بعد أن ملأنا إعجابا بأدبه وطول أناته ودقة تمحيصه وعمق تبعاته، وتقديراً لما بذله من جهود جبارة وأوقات ثمينة قضاها في تتبع آثار سعد القضائية، ونسخ ما عثر عليه من أحكامه بعد قراءة ملفاتها المطروحة في مستودعاتها ما يقرب من نصف قرن.
وأنا أرى أن أفضل تقريظ لهذا الكتاب أقوم اليوم به، بعد مرور سنتين على صدوره، إهداء