عودته بضعة أشهر عمل فيها على ما يظهر، على إخراج كتابه الظريف (من يوميات محام) وما كادت الصحف تعلن خروج الكتاب إلى الأسواق، حتى سارعت إلى إرسال من يقتني لي نسخة منه، ويعود الرسول يخبرني على لسان بائع الكتب، أن الكتاب لم يصل بعد إلى دمشق. وتشاء الصدف أن يدخل إلى مكتبي ساعتئذ ساعي البريد يحمل إليَّ رزمة مصدرها مصر، ففضضت غلافها، فإذا هي كتاب (سعد زغلول من أقضيته) موشحاً بإهداء يدل على رقة في الشمائل، وكرم في الأخلاق. . .
وضعت الكتاب أمامي وأخذت أفكر في تلك المصادفة الغريبة، وأبت الصدف إلا أن تأتي بالعجائب، فأتلقى في تلك الجلسة مرسوماً جمهورياً يدخلني في عداد (القضاة) وينيط بي عضوية دائرة الجنح والجنايات في مدينة حمص!!. . . ولئن كانت هذه المصادفة من الغرائب فهي بلا شك أجمل ما لاقيته في حياتي منها، لمكانة سعد في نفس، وهو القائد العظيم والزعيم المرشد المحبوب، ولما أكنه للأستاذ الصديق عبده حسن الزيات من آيات التقدير والإعجاب بأدبه الرفيع وأخلاقه السامية.
صلة القانون بالأدب:
سئلت مرة عن رأيي في صلة القانون بالأدب، فأجبت السائل وكان جوابي مقالاً نشرته مجلة (الصباح) السورية، بدأت فيه بتعريف الأدب والقانون، ثم ألمعت إلى تاريخيهما اللذين يتصلان بالإنسانية في مهدها، وبعد أن تكلمت عن صلاتهما في الماضي قلت (ولا شك أن صلة القانون بالأدب أصبحت بحكم المستوى الثقافي العام، أحكم ارتباطا، وأكثر تداخلا، كما أصبح رجل كل منهما يشعر بأنه لا يستطيع الانفراد بأحدهما دون أن يتمه الآخر؛ فرجل الأدب وهو اليوم صاحب رسالة اجتماعية هامة، لم يعد في إمكانه الاستغناء عن الثقافة القانونية ليؤدي رسالته على وجهها الأكمل، وليتبوأ المركز اللائق بمن يحمل مثل رسالته، رسالة الحياة الخالدة. إن الأديب في العصر الحديث أصبح محتاجاً إلى الإلمام بكثير من الثقافات على اختلاف أنواعها، والثقافة القانونية في مقدمة هذه الثقافات، وبقدر سعة هذا الإلمام وعمقه يبرهن الأديب للناس أنه في صميم الحياة التي يحمل رسالتها).
ثم تكلمت عن رجل القانون فقلت إن حاجته (إلى الأديب كحاجة المادة إلى الروح لتصبح جسما حياً، ومكانه القانوني في المجتمع إنما تتناسب في قيمتها مع حظه عن الأدب