إلى التمثال نظرة الشك والريبة وتتطلع إليه بأعين السوقة وعامة الناس، ويجب أن تسمو عن ذلك يا دكتور. إنه الأثر الوحيد الذي أورثنه أبي وقد آليت لأهدينه إليك، فقد شفيتني من المرض. فقال الطبيب، وقد أراد التخلص من هذه الورطة، لا بأس يا ولدي، ضعه على المنضدة. وضع ساشا الشمعدان كما أشار وقال للطبيب: آسف إذ لم أجد رفيقه ولكني سأجد في البحث عنه، ولم يدر الطبيب ما يقصده ساشا من رفيقه أو شريكه، ثم ودعه وخرج.
أراد الطبيب التخلص من هذا التمثال ونظر إليه ملياً، فخطر بباله أن يهديه إلى صديقه المحامي الذي كان مديناً له ببعض النقود وقال في نفسه: إنها فكرة حسنة، سأقدم إليه هذ التحفة وهو رجل أعزب كالطير الطليق. سار الطبيب إلى مكتب صديقه المحامي، وبعد أن شكره على حسن دفاعه عنه وخدماته السابقة له، رجا منه أن يتقبل منه هدية متواضعة وهي تمثال البرونز النفيس. وما إن وقع نظر المحامي عليه حتى أعجب بجماله ولكنه بعد أن أدمن النظر فيه قال: أعتذر يا صديقي من قبوله، فإن أمي تزورني دائماً، كما أن مكتبي يؤمه كثير من الناس كل يوم! فقال الطبيب: لا تقل ذلك يا صديقي، إن مع نكران الجميل أن ترفض مثل هذا الأثر الفني. فقال المحامي متهكما:(حبذا لو كانت السيقان مصقولة أو مغطاة ببعض ورق التين على الأقل) ولكن الطبيب لم يأبه له واغتنم فرصة انشغاله ببعض شأنه ووضعه على مكتبه وانصرف.
تأمل المحامي في هذا الأثر وهم يقذفه من نافذته ولكن يده لم تطاوعه فقد كان الأثر جميلا، وقال في نفسه: ليس لي إلا أن أقدمه هدية إلى الممثل الفكاهي (شوشكين) فإن الممثلين يحبون مثل هذه الأشياء الفنية البديعة.
ولما قدم الأثر إلى شوشكين أعبج به أيما إعجاب، كما أعجب به كثير من الناس الذين رأوه، وقد غصت غرفته بالمتفرجين والممثلين الذين كانوا يأتون إليه في أي وقت يشاءون. ولما رأى شوشكين هذا العدد الغفير من الناس لم يجد بداً من التخلص من هذا الأثر الذي جلب إليه كثيراً من التعب والشقاء، وتمنى لو كان التمثال صغيراً ليتمكن من وضعه في درج مكتبه، ففكر في بيعه لإحدى النساء المولعات بمثل تلك التحف الفنية، ولم يلبث أن باعه لها.