وكما أرسل محمد علي ابنه طوسون على رأس الحملة المصرية لحرب الوهابيين أرسل برفقته السيد محمد، فأبلى في هذه الحرب بلاء حسناً، وكان أن عينه محمد علي كاشفاً على الشرقية، وهو مثل منصب المدير في هذه الأيام، ومن ثمّ لزمه لقب كاشف وعرف به، حتى إذا ما استقرت الأمور في الحجاز عينه والياً للروضة الشريفة، فبقى هناك خمس سنوات، ثم عاد إلى مصر، وتخلى عن الأعمال الرسمية، ولكنه بقى مع محمد علي على حسن الصلة والمودة. وفي أواخر حياته انقطع للعبادة، وعكف على الأخذ بأسباب الصلاح والتقوى حتى توفى عام ١٨٤٨م وهو في حدود الثمانين من العمر ولم يترك من الخلف إلا ابنه إسماعيل.
لم ينشأ إسماعيل على غرار والده، ولم يكن له مثل غرامه بالجندية وأساليب النضال، ولكنه نشأ من صغره وفي طبعه الميل إلى العلم والأدب، وقد عنى والده بإشباع رغبته، فأحضر له المعلمين في العلوم العربية والدينية، وعهد إلى أحد رجال الترك الأفذاذ بتعليمه اللغة التركية وآدابها، ولقد كان هذا التعليم المنزلي للعلوم الإسلامية والآداب التركية هي المظهر السائد بين الأسر الكبيرة في مصر يوم ذاك، إذ كانت روح الدولة إسلامية خالصة، وكانت الصلة بين مصر وتركيا صلة خلطة ونسب ودين أكثر مما هي صلة حكم، وكان رجال الحكومة كلهم أو جلهم من الأتراك، وكانت الطبقة العالية تتكون من الأسر التركية التي وفدت على مصر فملكت الضياع والثروات والمناصب، ومن ثم كانت اللغة التركية والآداب التركية لها مكانة كبيرة في نفوس الخاصة، وكانت الأسرات الكبيرة تحرص عليها وتراها غاية الكمال في تثقيف أبنائهم وإعدادهم لمناصب الحكومة ودواوينها، كما هو الشأن اليوم في الحرص على تعليم الإنجليزية والفرنسية.
برع إسماعيل في الإنشاء التركي، وأخذ بحفظ وافر من الثقافة التركية، لهذا ولما كان من متانة الصلة بين والده وبين محمد علي باشا، فقد شمله محمد علي بعطفه، واتخذه كاتباً خاصاً له، ثم عينه وكيلا لمديرية الشرقية التي كان والده كاشفاً عليها من قبل، ثم زاد في العطف عليه فعينه مديراً، وظل إسماعيل في هذا المنصب ينتقل من مديرية إلى أخرى. ولكن يظهر أن حياة الإدارة وما تقتضيه من الصرامة لم توافق طبعه الأدبي وإحساسه المرهف، ولهذا سعى بنفسه عند محمد علي في التخلي عن هذا المنصب والعودة إلى