للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الديوان فحقق له رغبته. . . ولما تولى عباس باشا الأول عينه وكيلا لديوان كتخدا، وكان أكبر ديوان في الحكومة المصرية، وكان وكيله يعتبر أكبر رجال الدولة بعد الوالي، فله الإشراف على جميع شئون الدولة مثل ما لرئيس الوزراء في هذه الأيام، ومنصب كهذا يقتضي لا شك من صاحبه كثيراً من اليقظة والحذر، ولكن إسماعيل كما قلنا كان صاحب طبع أدبي لا يسنده في مثل هذا المركز السياسي، ولهذا لم يلبث أن عزل من هذا المنصب بوشاية كاشح، غير أن عباس باشا تبين حقيقة الأمر فأعاده ناظراً لخاصته. ولما تولى سعيد باشا أرجعه إلى الديوان كما كان من قبل، ولكنه لم يلبث أن استقال لإهانة لحقته من الوالي، وكأن الرجل كان قد عاف الحياة الحكومية وشبع منها، أو كأن ما أحاط به من ظروف اضطرته إلى الخروج من الديوان الخديوي مرتين قد بغضه في تلك الحياة فظل بقية عهد سعيد وشطراً كبيراً من عهد إسماعيل منعزلا عن الناس، عاكفاً على كتبه وتدبير الأمور في أملاكه، وجعل من داره نادياً للسمر والمذاكرة مع أهل العلم والأدب. وفي آخر حياته أنعم عليه إسماعيل باشا برتبة الباشوية، واختاره ناظراً لخاصة ولي عهده توفيق باشا، ولكنه توفى بعد ستة شهور من تولي هذه النظارة سنة ١٨٧٢م ولم ينجب إلا ابنتين كبراهما السيدة عائشة عصمت تيمور الشاعرة المعروفة، وابنا هو المغفور له أحمد تيمور باشا، كما ترك خزانة كتب تضم كثيراً من النوادر، وخاصة في اللغة التركية وآدابها، ولكنها ضاعت وبعثرت، ولم يبق منها إلا فهرسها. . .

نشأ المغفور له أحمد تيمور يتيما، لم ير والده، ولم يتمتع بحنان الأبوة، فقد ولد عام ١٨٧١م، أي قبل وفاة والده بعام واحد، فتعهدته شقيقته الكبرى السيدة عائشة تيمور بالرعاية، وتولته بالتثقيف، والتعليم، وكان الابن صورة ممتدة للأب في هدوء الطبع، والميل إلى العلم، والشغف بالثقافة، فدرس العلوم الأولية على مدرسين خصوصيين بالمنزل، ثم أخذ يدرس اللغة العربية على الشيخ رضوان محمد أحد العلماء المشهورين في ذلك العهد واللغة الفرنسية في مدرسة كليبر ثم على الأستاذ عبيد بك، كما أخذ في دراسة التركية والفارسية. وكان بطبعه ميالا إلى الإفادة والتحصيل، فنبغ في دراسة اللغات الأربع. وإذا كان أحمد تيمور لم يحضر عهد والده ولم يتمتع بتلك الندوة العامرة التي كان يقيمها في بيته لمذاكرة العلماء ومسامرة الأدباء، فإن الله قد هيأ له من ذلك ندوة أحفل في

<<  <  ج:
ص:  >  >>