وينقبض من أشياء تعرض لي فيها شبهات، ثم كنت أعرض ما يظهر لي من مكارم الشريعة ومقاصدها على ما عليه الناس من البدع والمحدثات التي تمسكوا بها وجعلوها من الأصول الدينية، فأجد التصادم والتناقض فصرت أتردد على كثير من كبار علماء الأزهر وغيرهم لعلي أجد عندهم مفرجاً، فأراهم أحرص من العامة على هذه الخزعبلات حتى كدت أحكم بأنها من الدين، وأن الأمر دائر بين شيئين: فإما أن يكون الدين دين خرافات وخزعبلات تنفر منها الطباع السليمة، وإما أن يكون ما نراه حقاً، ولكن يمنعنا من قبوله إلحاد تأصل في النفس، حتى أرشدني بعض الأصحاب للمترجم، فأخذت في السؤال عنه من أهل العلم، فكانوا ينفرونني منه حتى بالغ بعضهم ورماه بالزندقة، فقلت: إذا كنت لم أجد طلبتي عند من تسمونهم بالصلاح والورع فلعلي أصيبها عند الزنادقة. ثم سعيت في الاجتماع به، وسألته القراءة عليه والاهتداء بهديه، فقرأت عليه العلوم العربية والمنطق، وأعدت عليه الصرف وعلوم البلاغة بتوسع، ثم قرأت طرفاً من الحكمة. ولما رآني مجداً في التحصيل قرر لي درساً ثانياً بعد العشاء كنا نقرأ فيه كتب الأدب ونحوها. وكان من عاداته الخروج إلى الريف كل خميس ترويحاً للنفس، فكان يسافر إلى ضيعتنا التي بقويسنا أو إلى حلوان حينما نسكن بها شتاء، فكنت أقضي معه هذين اليومين في مطالعة واشتغال، حتى في حالة المشي والتنزه كنت أحمل الكتاب معي وأسمعه فيه، فيقرر لي المسائل ونحن سائران. . . فكان اجتماعي به ومصاحبتي إياه من أكبر نعم الله عليَّ في ديني، ولو لم يكن له عليَّ سوى تصحيح العقيدة وتأديبي بآداب الحنيفة السمحة لكفي