٤٣ - ولما شعر المسلمون بأهمية هذا الموقع العسكري وأذاه في صفوفهم لجأوا إلى نور الدين الشهيد صاحب دمشق الذي جمع جنوده في سنة ثمان وخمسين وخمسمائة ونزل تحت حصن الأكراد، فبينما هو في معسكره وفي وسط النهار، دهمته كتائب الفرنج من خلف الجبل القائم عليه الحصن، وأحاطت بالجيش الإسلامي وهو على غير أهبة فأعملت فيه السيف، وقد الإفرنج خيمة العادل نور الدين، فكاد أن يقع أسيراً لولا رباطة جأشه وسرعة خاطره إذ خرج من الباب الخلفي وركب فرساً للنوية، وكانت بقيدها الخلفي فنزل أحد أتباعه من الأكراد فحلها وقتل لساعته، ولولاه لوقع نور الدين في الأسر.
٤٤ - وفي هذه الحادثة بالذات يقول أبو الفرج عبيد الله ابن سعد الموصلي من قصيدة فائقة:
بنى الأصافر ما نلتم بمكركم ... والمكر في كل إنسان أخو الفشل
وما رجعتم بأسرى خاب سعيكم ... غير الأراذل والأتباع والسفل
هل آخذ الخيل قد أردى فوارسها ... مثال آخذها في الشكل والطول
أم سالب الرمح مركوزاً كسالبه ... والحرب دائرة من كف معتمل
وفيها يخاطب نور الدين:
لانكبت هتك الأقدار عن غرض ... ولاتنت يدك الأيام عن أمل
٤٥ - وبرغم ما في القصيدة من محاولة الاعتذار أمام الهزيمة والفرار، فإن العملية الحربية الصليبية كانت ناجحة إذ تجلى فيها عنصر المفاجأة وظاهرة السرعة بدليل تتبع المنهزمين حتى حمص. والفضل للموقع الممتاز لحصن الأكراد، ذلك الموقع الذي أتعب المسلمين أكثر من قرن من الزمن كما قلنا.
٤٦ - ولدينا من قبيل هذا المقال الكثير من الهجمات والمتاعب التي سببتها حامية حصن الأكراد الصليبية لمدينتي حمص وحماة وغيرهما من بلاد المسلمين.
ففي عام ٥٩٩ زحف الفرنج من حصن الأكراد إلى مدينة حماة فركب صاحبها وحاربهم في رمضان. وجاء في السلوك ضمن حوادث سنة ٦٠٣ أن الملك العادل الأيوبي صاحب مصر خرج من مصر إلى العباسة ومنها إلى دمشق ثم برز إلى حمص، وذلك عقب الحملات المتتالية التي شنتها حامية حصن الأكراد وتعدد الغارات على كل من حمص