وحماة، ونازل الحصن وأسر خمسمائة رجل من أطرافه. ولقد نازله قبله صلاح الدين وغيره من ملوك المسلمين ولكنها كانت جميعاً حملات تعرضيه استكشافية، أو إذا شئت تأديبية ضد المقاتلين من جماعة الصليبيين المستحكمين في هذه القلعة ولم يعقبها حصار كامل الأهبة والاستعداد كما حدث بعد ذلك.
٤٧ - وقد بقى هذا الحصن قذى في أعين المسلمين يهدد بلادهم حتى تم فتحه في عام ٦٦٨ هجرية على يد الملك الظاهر بيبرس سلطان مصر وصاحب الفتوحات وهو ما سنفرد له فقرة خاصة تأتي بعد ذلك.
٤٨ - وقبل أن يتم الفتح على يديه اتبع طريقة أسلافه، وهي الهجماب التعرضية السريعة لجس نبض الحامية واستنفارها للخروج من وراء الخنادق والأبراج؛ ففي هذا العام أي في ٣ جمادس سنة ٦٦٨ ركب الملك في مائتي فارس وأغار على أطراف الحصن ثم صعد إلى الرابية ومعه قدر أربعين من الفرسان فخرج عليه عدة من الفرنج ملبسين بالدروع فحمل عليهم وقاتلهم وتتبعهم حتى دخلوا الحصن. وتقول الراوية إنه صاح بهم ليدعوا رفقاءهم إلى الخروج، وأشار إلى عدد من معه وأنهم جميعاً بأقبية بيض أي غير مدرعين بالزرد والحديد.
وتشير الراوية إلى أنه عاد إلى مخيمه وأطلق الخيول في المروج الخضراء والمزارع التي كانت حول الحصن.
٤٩ - وكانت هذه آخر الحملات التأديبية إذ سقط الحصن بعدها في أيدي الملك الظاهر الذي بادر إلى ترميمه وإعادة إصلاح أبراجه وخنادقه واتخاذه نقطة ارتكاز لجيوشه في عملياته الحربية ضد الفرنج المحتلين لمقاطعة طرابلس، فأصبح حصن الأكراد رأس حربة موجها إلى الغرب بعد أن كان موجها إلى الشرق أي إلى قلب الأراضي الإسلامية.
٥٠ - ولهذا الوضع أمثلة في الحروب الحديثة فإن الزائرين لمنطقة جبال الكارسو في شمال إيطاليا لابد عاينوا الحصون الكائنة في جهة سان ميشيل وسابوتينو حيث لا تزال أماكن المدفعية التي استعملها النمسيون وأماكن تلك التي استعملها الإيطاليون بعدهم ظاهرة.
٥١ - وتحدثنا الراوية بالتفصيل عن بعض ما قام به الملك الظاهر فقد أمضى أياماً في الصيد، وكان يصنع السهام بيده وبريش النشاب، وكان يحضر العمارة بنفسه ويشحذ همم