وعدت من الحصن وقد غمرتني نفحة من تلك النفحات التي تؤذن بخروج الإنسان من طور ودخوله إلى طور جديد من أطوار الحياة: فقد تغيرت نظرتي إلى بعض الأشياء، وأخذت طريقاً لإشباع نفسي بتقليب صفحات الماضي الذي بدأت أحس بأننا قطعة منه.
٦٩ - وإذا بي أؤمن بأن تاريخ مصر والشام وحدة لا تتجزأ، وأن أية محاولة للفصل بينهما تؤدي بنا إلى نتائج معكوسة أي تقرير مبادئ سلبية يقصد أصحابها توزيع القوى والعزائم وتجريح الأمم وإنقاص الدور الذي ألقته علينا الأقدار وحمله لنا التاريخ كقوة مقاتلة منشئة منتصرة.
٧٠ - وها نحن نعيش في عصر طابعه السرعة والإقدام، والبناء والخلق والتجديد ومع هذا لا نزال نسير على خطوات وئيدة والزمن يعدو أمامنا: ذلك لأن عوامل التفكك والانحلال والسلبية لا تزال تعمل في صفوفنا وتعوقنا عن الأهداف الكبرى.
٧١ - هل كان الذين انتصروا في هذه الحروب وقادوا الحملات وتغلبوا على الحوادث لهم نظرة خاصة ومنطق خاص حتى تغلبوا على قوات تفوقهم: وأحرزوا النصر، وأننا لا نستطيع أن تكون لنا مثل نظرتهم ومنطقهم ومثلهم العليا؟
إن الذين خاضوا هذه المعارك أظهروا نهاية ما يمكن من الإقدام حينما وجدوا القيادة الصالحة، فهل يجدها معاصرونا الآن؟ إن استمرار الكفاح والجهاد لمدة تقرب من قرنين لهو أظهر دليل على أن صفات الاستمرار والمداومة ثابتة في الصفوف بين الأمم الإسلامية، ولا نحتاج إلا لمن يظهرها ويحسن قيادتها وتوجيهها.
٧٢ - نحن لا نعيد الحروب الصليبية بمآسيها ومتاعبها وإن كانت تتكرر على مقربة منا في فلسطين ولكننا نقول: إننا في حاجة وقت السلم إلى صفات لا تقل عن الصفات التي تحتاجها الأمة وقت الحرب بل قد تزيد.
٧٣ - إننا في عصر يتطلب انتزاع النصر في السلم كما انتزعه أسلافنا في الحرب؛ وتحضير هذا يتطلب جمع القوى المشتتة وتنظيمها وتعبئتها، وهذا التنظيم نوع من الكفاح الدائم المستمر
٧٤ - إنه يتطلب نوعاً من الهدوء والثبات والتركيز، والأقدام وهي من قبيل الصفات التي