تتحدث عنه اليوم على أنه زعيمنا الأول، ويشيع فيما تكتب عنه كثير من التحمس له، والمثقفون في ندواتهم يذكرونه بالخير ويأسفون على ما لحقه فيما سلف من ظلم؛ فإذا كان مرد هذا أو بعضه إلى ذلك الدفاع الذي دافعت به عنه، فأي اغتباط ذلك الذي تشعر به نفسي، ومعاذ الله أن أقصد بهذا إلى شيء من الفخر، وإنما هو شعور الراحة في نفس من يوقن أنه أنصف رجلا قضى نحبه مظلوماً وقد أحسن إلى بلاده، وأنه أول من تصدى إلى هذا الإنصاف. وليغفر لي القارئ ما قد يجده في كلامي هذا مما يشبه الزهو.
وأما عن لنكولن، فقد أخذ الكتاب الكبير على كتابي مآخذ قرأتها في كثير من الترحيب والاطمئنان، فالعقاد من يصدر في النقد عن أستاذية توجب هذا الاطمئنان، وتوجب معه الاهتمام والحرص على الانتفاع من جانب كل مؤلف وإن علا كعبه في التأليف؛ مقام المبتدئ؛ غير أني أحسن في بعض ما ذكر الناقد الفاضل ما لا ترتاح إليه نفسي، وأؤكد للأستاذ الكبير أن أذكر ذلك عن إخلاص وصدق رغبة في الفهم والتعلم، وهي على أية حال فرصة طيبة لأسمعه رأيي لعله يتفضل بإرشادي إلى موضع الخطأ فيما أقول، وفرصة طيبة للحديث عن لنكولن لعل في الحديث عنه ما فيه للقارئ بعض الفائدة. . .
أخذ الأستاذ على كتابي (أنه ليس فيه تعريف كاف بأسلاف لنكولن من جانب أبيه وأمه)؛ وهذا الذي يأخذه على الأستاذ حق لا مرية فيه، ولكن كيف السبيل إلى معرفة هؤلاء الأسلاف؟ هذا هو موضع التسأول بيني وبين الأستاذ الجليل.
لقد عرف لنكولن أول ما عرف نجاراً ابن نجار أمي، وولد في كوخ وسط الأحراش والأدغال البرية بعيداً عن الدنيا الحضارة، ولم يحدثه أبوه عن أسلافه إلا قليلا، ومرد ذلك إلى بيئته وجهله، وكان حديث أمه أقل لما أحاط بسيرتها من ملابسات ذكرتها بموضعها في الكتاب، نقلا عن لنكولن، إذ أفضى بها ذات مرة إلى صديقه هرندن ولم يعد إليها أبداً، حتى لقد كانت إذاعتها على لسان صديقه مثار جدل وضجة في الولايات المتحدة كلها.
ولم يتحدث لنكولن نفسه عن أسلافه إلا قليلا، لأنه لم يكن يعرف عنهم إلا القليل؛ ولقد كان يقتضب الحديث عنهم اقتضاباً كأنه يكرهه، بينما يفيض إذا تحدث عن نشأته في بيئته الأولى.
لهذا حار كتاب حياته في معرفة أسلافه، وتحت يدي أكثر من عشر تراجم له ومن بينها