الجهاد الذي أثمر معاهدة مونترو يوم ظفر (تلامذة سعد وأصدقاؤه بتقليم أظافر نظرية الصالح المختلط) والذي نرجو أن ينتهي قريباً بقطع كل يد أجنبية تنقص من استقلالنا، وفي وجودها اعتداء على حريتنا أو عدم ثقة بعدالتنا، ونحن يوم كنا فاتحين غالبين، لم يكن في الدنيا عدل غير عدلنا.
٣ - التصون عن العبث:
(في قواعد الإجراءات مدنية وجنائية، وفي دفوع الخصوم، تحكمات كثيرة قد يؤدي تطبيقها تطبيقاً أعمى إلى نتائج غير عادلة ومضحكة أحياناً) ولكنك إذا رأيت قضاء سعد عندما يصطدم بتلك التحكمات رأيته (قضاء جمع بين السلامة والحكمة) وإذا قرأت الأسباب التي يستهل بها أكثر أحكامه قرأت أسباباً (محمة قوية التدليل. . . تنبئ عن التحرر من الشكليات وصون الحق من أن يضحي في سبيلها إذا أمكن تضحيتها هي بغير خرق للقانون) فاسمع سعداً يقول في حكم له (إن هذا يعتبر خطأ في التطبيق. وكان يوجب الغاء الحكم المطعون فيه لو أنه أضر بالمتهم) أو قوله (إن الخطأ في تطبيق القانون لا يكون وجهاً للنقض إلا إذا نشأ منه ضرر) لا بل انظر سعداً حين يقرر (أن عدم تبيان تاريخ الحكم المستأنف في عريضه الاستئناف لا يستلزم بطلانها إلا إذا ترتب عليه عدم تمييزه عما عداه) لتعرف سعداً أي القضاة كان في سعة أفقه وتحرر فكره، واستجابته للحق المجرد.
٤ - وضع الأمور في نصابها وصبر القضاء:
(دقة التمييز بين المتشابهات هي ميزة الفقيه الأولى، والصبر من ألزم وأجمل ما يتحلى به القاضي الكامل) وقد كرس الأستاذ الزيات هذا الفصل (لبيان مدى تمكن هاتين الصفتين من عقل سعد ومن نفسه) وهو لم يحاول فيه أن يكيل الثناء لسعد كيلا (بالحق وبالباطل، إنما كان يحاول تحليله) ودراسة آثاره دراسة عميقة تصور للقارئ عظمة سعد في تفكيره، وعظمته في أخلاقه وأنك إذا قرأت حكما من الأحكام التي نقلها لعجبت أن ترى الدائرة التي أصدرته (لا تهمل في أسبابها أن تؤاخذ، وتتعب ولا ترى عبثاً أن تسمع إلى المبطل لتقول له بعد ذلك - أو لتقول للناس فهو أدرى بنفسه - بأسباب طويلة مفصلة، كيف وفيم