وليس أجمل من هذه الفقرة يختم بها الأستاذ الزيات فصله إذ يقول (ويتصل بمعنى المحافظة الروح العائلي الذي يطالعنا في أكثر من حكم واحد: كره سعد في نظار الوقف أن تحيفوا حقوق المستحقين، وأبى على بعض الورثة أن يتملكوا حصص الآخرين بما يزعمون من وضع يد مستطيل، ثم كره من صغار الأخوة أن يستأسدوا كبارهم الريع عما مضى، ذلك بأنهم حيوا في أكنافهم، فليكن الريع في النفقة، ولتكن الأسرة وحدة، ولتظل المحبة أخوة متآخين على سرور متابلين.
فإذا دخلت الجريمة بين الأخ وأخيه، أو بين الوالد وبينه، فالويل للجرم الأثيم: لن يظفر من رفق سعد واسماحه بغير (القصاص) الجسيم.
٨ - القاضي الجنائي:
خير كلمة وصف بها الأستاذ الزيات سعداً القاضي الجنائي (هي كلمة (الموزون) وصفه بها بعد أن نقل كثيراً من أقضيته الجنائية، وأثبت كيف كان كل واحداً منها (قضاء رفيقاً عادلا موزوناً كما أثبت أن سعداً لم يكن (بالقاضي الذي يجهل أو يحصل وظيفته الاجتماعية، ولا شك أن القاضي الجنائي الذي يقدر دوره الاجتماعي حق قدره لا يستطيع أن يحمل لوزن العقوبة ميزاناً من نحاس أو حديد، فميزان هذا شأنه لن يغني مهما يكن مدى انضباطه) إنما العدالة (تريد ميزاناً حساساً مستجيباً بلون العقوبة باللون المناسب للمتهم، ويفردها كما يقول أصحاب علم العقاب).
كان سعد إذا اقتنع لا يتأخر عن الإدانة أبداً، ولكنه كان (لا يكتفي بأن يقتنع، وإنما يرى حقاً عليه للعدل والضمير الاجتماعي وللمتهم نفسه) أن يقنع كل الناس (بما اقتنع به)، ومع كل هذا فقد سمح كاتب جلساته لنفسه بأن يقول عنه أنه كان (يبتعد عن الإعدام، وأنه كان يتهم بأنه مازال في قضائه متأثراً بحرفة المحاماة والدفاع عن المتهمين) والحقيقة الناصعة أن أحكام سعد كلها ليس فيها (تضييع لحق الجماعة، ولا إهدار لمصحلة الفرد والدفاع)؛ أسمعه، وقد تألم من عقوبة حصلت بنتيجة خطأ، كيف ثار وصرخ (إن العدالة الإنسانية التي وضع القانون لاحترامها تأبى إيلام نفس بعقوبة) تنتج عن خطأ. لا بل أسمع هذا المبدأ على لسان سعد المشرع (لا يجوز أصلا أن يلقي الشخص عقابه ويعذب ويتألم، بينما تكون العدالة لا تزال مشتغلة بشأنه، باحثة فيما إذا كان مستحقاً لذلك العقاب أم لا)