غير مطالب بعلم الفلسفة اليونانية أو غير ملوم على قوات الاطلاع عليها، وإذا كانت أحوال الأمم التي هي أهلها لا تدل على قيمتها بل تسوغ الاعتقاد بخلوها من كل قيمة، فأين هو العيب في تفكيره إن صح أنه فكر على هذا المنوال؟).
وقد جاءنا من الطالب النجيب (السيد رشاد هاشم) بمدرسة الزقازيق الثانوية تعقيب يقول فيه: (إن كونهم على شر حال لا يعطي القوة حقاً: إذ لو فرضنا أن عدواً غاضباً هجم علينا ونحن ضعاف بشر حال والقرآن بيننا أيجوز له أن يحرق القرآن؟)
وقبل كل شيء نحن أن يذكر الطالب النجيب أن الفاروق لم يحرق كتاب الدين فيضرب المثل هنا بما يقابله وهو القرآن، وإنما أحرق فيما زعموا أوراقاً لا يعتقدها أصحاب ملة، وترك الكتب التي يدينون بها وهو يعلم أنها تخالف الإسلام.
ثم نحن أن يذكر أننا لا نعطي القوة حقاً وإنما ندفع عنها لوماً، وإن مثل الفاروق ومكتبة الإسكندرية كمثل رجل باع بيتاً فيه كنز مدفون يساوي أضعاف ثمن البيت. فأنت لا تتهمه بالجهل لأنه لم يطلع على خبر ذلك الكنز، ولا تتهمه بالسفه لأنه باع البيت بأقل من قيمته المدخرة فيه، ولا تقول إنه لا يعرف قيمة الكنوز، لأنه لم يدخلها في ثمن البيت.
كل ما هنالك أنه لا يهتم على أساس معقول، وليس من اللازم أن تقول إنه كان على حق أو على صواب.
وهذا هو الفرق بين دلالة الحادثة في ذاتها، ودلالتها كما تدخل في تقدير صاحبها الذي نسبت إليه.
فالذي يحسب على الفاروق هنا هو ما يدخل في تقديره، ولا لوم عليه أن أحرق مكتبة الإسكندرية بهذا التقدير.
وهذه الفوارق بين الصحة والدلالة، وبين حق النفي وحق الشك، وبين الحادث كما وقع والحادث كما أريد، ألزم ما يكون استحضاراً عند قراءة التاريخ، بل عند مباشرة كل عمل من أعمال الحياة.