الاختبارات المرضية كانت تتعلق بأخرى قبلها، وتلك التي كانت قبلها ليست في حاجة إلى الباثولوجية في طبيعتها؛ وأن التجارب التي سبقتها زودت المصادفة الباثولوجية الأخيرة بخلق عقلي. وبعد أن تعاون فرويد وبريور معاً مدة من الزمن في هذه الملاحظات والتجارب انفصلا أحدهما عن الآخر فقد دب الخلاف إذ لعب الجنس دوره في تكوين العصاب وهكذا مضى فرويد قدماً بمفرده ثم نشر تطبيقاً عملياً من نتاج مجهوده. بسماحة لمريضه أن يتكلم بكل ما يدور بخلده، وبعد ملاحظة بالغة منتهاها في الدقة، اقتنع بأن أي شيء يحدث للمريض له صلة مباشرة أو غير مباشرة (بجرح) ما في لا شعوره.
وفي عام ١٨٩٥ ألقى فرويد أولى محاضراته عن اكتشافاته، التي قدر لها أن تكون بشيراً بميلاد التحليل النفساني. ولقد تبعه باديء الرأي ثلاثة نفر من الوسط الطبي هم أدلر وستيكل وسادجر ولكن في سنة ١٩٠٠ بدأ يانج وثلة صغيرة من أتباعه الفيزقيين، يستعملن الطريقة الفرويدية بعيادة طلب الأمراض العقلية في زيوريخ. وبعد ثمانية أعوام، وبناء على دعوة يانج قام أول مؤتمر لمدرسة الفيزيقيين هذه في سالزبورج.
عند ذلك أخذ الطلبةٍ الجادون ذوو الضمير الحي يدخلون الميدان أفواجاً. وظهرت المؤلفات الفكرية والانتقادية تحمل طابعي مقدرة المدرسة وحمية الرائد. ومن ميدان علم النفس العلاجي انتشر علم التحليل النفساني، وامتد إلى ميادين علم الأساطير والحواديت - وبدأت تظهر الشروح التي تعوزها التفسيرات السيكولوجية، وبدأت تطغى على أساطير الجنس البشري وخرافاته. واتضح أن رغبات السلالة البشرية التي كانت تتوق إلى الرضى خلال العصور جاء وصفها في الخرافات والأساطير، وأنه إذا فهم الشخص المفتاح السري الذي يمده به التحليل النفساني لأمكنه أن يفسر معنى كل تلك القصص القديمة. فقد قال علماء التحليل النفساني أن عواطف البشر لونها فنان أعمى على لوحة من الفكر.
ومن المعروف قطعاً لدى علماء الأنثربولوجيا أن الرمز لعب دوراً هاماً في الإنتاج البدائي لعقل الإنسان. بل إن طريقتنا اليوم في التعبير عن الفكر قائمة على أساس صورة من الرمزية؛ فالمهندس الذي يتصور تجويف مدخنة، والموسيقى الذي يوفق السيمفونيات السماوية، والفنان الأديب، كل أولئك يستعملون الرموز كثيراً. وقد أشار أندريه تريدون في أحد مؤلفاته إلى أن: (لغة جميع الشعوب رمزية، ودائماً ما يفرض الإنسان في كلامه