للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مقارنات بين مظاهر ثابتة في الطبيعة واجزاء من جسم الإنسان. فنحن نتكلم عن فم النهر أو الكهف؛ وعن مهاد الأرض أو جوفها أو بطنها؛ وعن قمة الجبل أو سفحه. ونقول إن في البطاطس عيوناً؛ وأن اللون دافئ، وحقائق جافة، وأننا نشم رائحة التعب وغير ذلك.

كيف دخلت هذه التعبيرات في كلامنا، وكيف سبر علماء التحليل النفساني صلتها بأسس تفكيرنا؟. . لن نحتاج إلى كبير عناء لنعرف أن هناك معنى عميقاً وراء كل هذا اللف في كلامنا. إن علاقة ما، ليست معروفة إلى الآن، كانت متوثقة بين عناصر ثابتة موجودة في اللغة وهي الفكرة البدائية عند بني الإنسان.

والإنسان يملك في داخل نفسه اتجاهين: يوصف أحدهما بالمتقارب أو المائل نحو المركز والآخر بعيد أو منحرف عن المركز الأول يميل إلى نقله إلى الأمام؛ والآخر يظهر رغبة صريحة للرجوع إلى حالة بدائية. ونرى هذا الاتجاه، مثلا، في البناء التشريحي للانسان حيث تثابر أحياناً بعض أعضاء جرثومية ثابتة على النمو، يشيع التعب العظيم في الإنسان. ولقد سرد ميشنكوف في مؤلفه القيم (طبيعة الإنسان) أمثلة كثيرة عن النشاز الموجود في تشريح الإنسان، وهل يمكننا أن نشير إلى (النشاز) في بنائه العقلي أيضاً؟ أن نيتشه الذي سبق علماء التحليل النفساني، تنبأ بكثير من كشوفهم، فذكر في أحد مؤلفاته: (في نومنا، وفي أحلامنا، نمر بجميع فكر البشرية القديمة. وأعني بهذا أن الإنسان يدرك في أحلامه ما أدركه أثناء حالات اليقظة منذ آلاف السنين. فالحلم يرجع بنا إلى حالات قديمة من التهذيب الإنساني، ويقدم لنا الوسيلة لنفهمها بطريقة أجدى وأحسن. أبدى هذه الملاحظة أخيراً علماء النفس المشتغلين بالفروض الحديثة التي أظهرتها نظريات فرويد وحسنتها، كما أنها الملاحظة قررت ما لهذا الفيلسوف الشهير من بُعد نظر ونفاذ بصيرة.

لا يخفى أن لك شخص دافعاً جنسياً يطالب بإرضاء رغباته. وإذا لم يقدم له هذا الإرضاء بوسيلة سوية فإن الميل إلى الرغبة يكون في حل من التسرب من أضعف نقطة في خط التقييد. وإذا لم يتم هذا أيضاً، فهناك تسليم من العقل لما يسميه علماء التحليل النفساني بالتعالي أو التسامي. هذا لأن الرغبة تتسرب من خلال قنوات لا يستعملها العقل لمنفعته حين تكون الرغبة قادرة على الإرضاء بطريقة اعتيادية. ومن قوانين الطبيعة أن القوة تميل إلى قهر العوامل المكبوتة في بيئتها بغضِّ النظر عما تكون عليه هذه العوامل. وليس

<<  <  ج:
ص:  >  >>