ولبيير بنوا أن يقول في الصليبيين ما شاء. فالقول ذو سعة، مخيلة الكاتب قد تأتيه بالمبتكر، ولكن هل عوّدنا بيير بنوا الابتكار؟. . .
كل ما رأينا من بيير بنوا لا يزيد على كونه مقتبساً، وهذا الاقتباس لا غبار عليه لو عرف الكاتب كيف يتلاعب به ويمنحه من قوة الخيال والجمال ما يرفع من شأنه ويزيد في قدره، أما أن يكتفي بالاقتباس دون أن يضيف إليه الابتكار المورق السمين فأي عمل أتاه؟. . .
وبيير بنوا ليس من المبتكرين في إنشائه ولا حوادث روايته فهو من الطبقة الوسطى في الروائيين، وفي طبقة دون الوسطى في المنشئين، حتى وإن يكن يكتب باللغة الفرنسية. فليس كل ما يكتب باللغة الفرنسية وبسائر اللغات الحية بليغاً عالي الديباجة باقياً على ممر الأيام. فكل لغة حافلة بالمبتذل السخيف. كل لغة يتلاشى منها معظم ما يكتب الكاتبون وينشر الناشرون. ولا يخلد من ثمار القرائح غير جزء من عشرة آلاف جزء. وإذا بقي شيء من مواليد (بيير بنوا) الأدبية، فلا ريب بأن روايته (ربة قصر لبنان) - وقد استمدها من لبنان - ليست بذلك الجزء الباقي، فهي تحت رحمة الفتاء، وربما استطعنا أن ننعاها منذ الآن.
قد تبقى منه رواية (الاتلانتيد)، على أن رواية (الاتلانتيد) من سرقاته لا يمكن من مبتكراته. وكل تفننه فيها أنه انتقل بها إلى أفريقيا، إلى الصحراء، إلى تلك الديار القاحلة العجراء. وماذا يقال عنه فيها؟. . . يقال إنه صاحب (الاتلانتيد) ليس غير. وقد يجوز لك أن تقرأ (الاتلانتيد) كما يجوز ألا تقرأها. فإذا قرأتها خرجت منها صفر اليدين. وإذا وقفت عن قراءتها ربحت الوقت إن يكن الوقت عزيزاً عليك. وقد تسأل: كيف بلغت رواية (الاتلانتيد) هذه الشهرة العالمية؟. . . وجوابنا أن المؤلف أجاد بث الدعوة لروايته، فذاع لها الصوت العاطر في الأندية الأدبية جمعاء قبل أن تقف هذه الأندية على مضمونها. وشاق الذين طالعوها من الغربيين تلك الصبغة الشرقية فيها. وجاءت دور السيمياء ترفع من مكانتها. والحق يقال إن (الاتلانتيد) نجحت في عالم السيمياء أكثر منها في عالم الأدب.
واليوم و (بيير بنوا) يفكر في وضع روايته الصليبية سوف نرى أي وحي هبط عليه. أيدرك التوفيق أم لا يوفق، ونحن نرتاب في توفيقه لمعرفتنا شأنه الأدب ي. غير أننا لا نستطيع الإنكار أن الرجل من الغزاة الفاتحين. فهو يقبل علينا ينتزع منا موضوعاته