ومما نستدل به على أن كليلة ودمنة وألف ليلة وليلة يثيران ضجة بعيدة الصوت في الأدب العربي، لو برزوا اليوم إلى النور، ويتربعان في القمة العليا من الفن الروائي، ما يلقيان من غزو الروائيين الأجانب. فكل يوم يرزحان تحت غارة جديدة. وليست رواية (حديقة على العاصي) للكاتب الفرنسي المشرق الديباجة (موريس بارس) غير قبس من ألف ليلة وليلة. وما رواية (الأتلانتيد) لبيير بنوا غير صفحة من صفحات ألف ليلة وليلة. فكأنها مستوحى أدباء الفرنج يسلبونها أطايبها المباحة دون أن يقف في سبيلهم من يقول لهم: ماذا تفعلون؟.
ومع كل احترامنا للتوراة وتقديرنا لها نجرؤ على أن نقارن بينها وبين ألف ليلة وليلة مقارنة صادقة لا ترمي مطلقاً إلى الحط من قدر الكتاب الكريم. إن هي إلا مقارنة أدب بأدب. وكل ما نريد إثباته أن ألف ليلة وليلة أضحت لدى كتاب الغرب أشبه بالتوراة. فكما يغيرون على التوراة يستوحونها يغيرون على ما جادت به علينا شهرزاد الملسانة، أو الثرثارة، التي لا تسكت عن الكلام المباح إلا حين يطلع الصباح.
ولا تقف غارة كتاب الغرب عند ألف ليلة وليلة، بل هم يشنون أبداً الغارة علينا ويستأثرون بكنوزنا ونحن عنهم في غفلة، فلا نراهم إلا يشدون الرحال إلى هذا الشرق، هذا الشرق الحافل بكل غريب، الطافح بالأسرار، المنبثقة منه الأديان، المتصاعدة من معابده روائح البخور تنفثها المجامر الحمراء هذا الشرق القديم في حضارته وهياكله وآلهته، المثقل بالرموز والأشباح والعفاريت، المخيمة عليه حسرات داود وحكمة سليمان، هذا الشرق الراسخة فيه المساجد العالية القباب، والمآذن الناطحة السحاب، والمستوردة فيه المرأة وراء ألف حجاب وحجاب. هذا الشرق مهد الناقة والبعير، المتهادية فيه العمائم والقلانس والطرابيش، المكردسة فيه الذكريات أطباقاً فوق أطباق، من عهد الفراعنة، إلى عهد العبرانيين، إلى عهد الآشوريين، إلى عهد الفرس، إلى عهد العرب، إلى عهد الأتراك.
وعلينا ألا ننسى الصليبيين أموا هذه الديار. ومنذ أقبلوا والغارات علينا تتلو الغارات في الميادين كلها، في السياسة والأدب، فمن غزو إلى استعمار.!
ومن غزاتنا في أدبنا (بيير بنوا) القصصي الفرنسي فهو يفكر اليوم في وضع رواية فصولها جماعة الصليبيين وتدور حوادثها عليهم. فهم أبطالها وسادتها وحجر الزاوية فيها،