وقد كان علي بن ربَنْ الطبري متقدماً عليهم في الزمان، ويعتبر مؤلفه (فردوس الحكمة) أول تأليف طبي مستقل لأطباء المسلمين، لذلك نكتفي في حديثنا هذا بذكر مجمل من تاريخ حياته مقتبساً مما ذكره معظم المؤرخين عنه وما ذكره هو نفسه في مقدمة مؤلفه كتاب فردوس الحكمة.
هو أبو الحسن علي بن سهل بن ربن الطبري وكان من أسرة برعت في العلوم، وتولت أهم الأعمال لولاة طبرستان، وكان أبوه من أبناء كتاب مدينة مروو ذوي الأحساب والآداب، وكانت له براعة في الطب والفلسفة، يقدم الطب على صناعة آبائه، وقد قام بتثقيف ابنه وتعليمه العربية والسريانية علاوة على الطب والهندسة والفلسفة والعبرانية وقليلا من اليونانية أيضاً، والدليل على أنه كان له إلمام بهذه الألسنة أنه قد شحن فردوس الحكمة ببسط القول في الهندسة والفلسفة وشرح فيه بعض اللغات اليونانية، ونشر ترجمة باللغة السريانية.
وبعد أن فرغ من التعليم في طبرستان، توجه إلى العراق وأقام بها وأخذ يتطبب فيها، وبعد أن عين مازيارين قارن لولاية طبرستان من قبل العباسيين، ترك علي بن ربَنْ الطب وأسرع إلى هناك، وتولى الكتابة في ديوان مازيار، واستمر في عمله حتى قتل مازيار، ثم توجه إلى الري وعاد فيها إلى التطبب ثانياً، وهناك أخذ الرازي يقرأ عليه الطب، ثم رحل إلى سر من رأى وأقام بها وفيها وفقه الله للانتهاء من تأليفه فردوس الحكمة وكان ذلك في العام الثاني من خلافة المتوكل على الله.
يقول ابن أسفندبار في المجلد الأول من مؤلفه تاريخ طبرسان ما ترجمته أن الخليفة المعتصم عين علياً بن ربن الطبري بعد مازيار بديوان الإنشاء فوجدوا معاني ما يكتب أقل منها في مازيار، فسألوه عن العلة فقال إن مازيار كان يكتب تلك المعاني بلغته، أما أنا فإني أدونها بالعربية وفي هذا ما يدل على قوة عقل مازيار.
ولما تولى المتوكل الخلافة دعاه إلى الإسلام فلباه واعتنقه، فلقبه بمولى أمير المؤمنين، ولشرف فضله جعله من ندمائه، وفي رواية لابن النديم أنه أسلم على يد المعتصم.
وقد اختلف المؤرخون في دين علي بن ربن، فقال بعض مشاهيرهم ومنهم محمد بن جرير الطبري أنه نصراني، وقال آخرون منهم كالقفطي إنه من اليهود.