للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أحدثه في ذلك وأن أستعرض معه بعض ما لديه من التحف مما يمت إلى العصور المصرية القديمة. وهنا طفق يحدثني بطلاقة عن دهشته من الثروة الإسلامية التي أنشأها ملوك مصر في أنحاء فلسطين، وما خلفوه فيها. وكنت أنصت لحديثه وهو يقول: إن مصير هذه الآثار إلى الزوال إذا لم تتداركها عناية حكومية إسلامية قوية مثل مصر. وإني لدهش من موقفكم، تقيمون الدنيا لاكتشاف حجر قديم فرعوني، وتنسون ماضيكم القريب. لكم المدارس والمساجد والقباب مما يشهد لملوككم وأمرائكم بحسن الذوق وعظمة النفس وعلو الهمة في تذوق الفن، وتتركون كل هذا وكأن الأمر لا يعنيكم؟

وكنت أجهل الكثير مما يقول ولا أعرف من أثارنا سوى مدرسة قايتباى، فأخذت في إشباع نفسي المتطلعة إلى الاستزادة من المعرفة، وقلت إذا نظر الناس إلى الماضي نظرة تقديس وإلهام، فلم لا أنظر إليه نظرة الباحث المتعلم؟

إن الثمن الذي سأدفعه قد يكون غالبا، إذ أحدث الناس من قومي بما لم تسمعه آذانهم: وقد يتخذ الذين لا يؤمنون بشئ أقوالي هزوا لهم، لأني أحدثهم بما لم يألفوا، ولأني اضع للناس قيما جديدة لبعض الأشياء التي لم يؤمنوا بها ولن يصدقوا بعظمتها وكان أهم ما لدى أن أومن أولا بعظمة ماضينا الإسلامي وأن أعيش فيه، وقد كان ولا يزال مهما غلا الثمن ومهما كانت التضحية فإنه من أسعد الأوقات أن أشيد بهذا الماضي، وأن انتهز الفرص للكتابة فيه. وليس أسعد من أن يسمع العالم انتصار جنود العروبة على عصابات الصهيونية وإخراجهم من داخل مدينة القدس القديمة، فإن هذا النصر جعلني أحن إلى القدس، وهي مدينة من أحب مدن العالم إلى قلبي، ولذلك يلذ لي أن أكتب شئيا عنها في هذا الأيام التاريخية، وأعيد قيم الأشياء كما كانت؛ فأرجو ألا يحمل كلامي على غير ظاهره، أو أن يؤخذ بأنه يرمى إلى أهداف سياسية. لقد عاشت مصر والشام سويا أكثر من ثمانية قرون، وعلى صعيد هذه الأرض كتب أسلافنا بدمائهم قصص الملاحم الكبرى وذاقوا طعم النصر، كما أنشئوا أعظم ما يمكن تصوره من المباني، تقربا إلى الله ولخدمة هذا الدين الحنيف، وكان عامل الخير وحب الناس طابعهم، وكانت تستوقهم عاطفة خالصة نحو هذا، لذلك نجحوا حيث أخفق الغير: فإذا كتبت أشير إلى هذا الماضي العظيم فإنما أدعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>