اهتم الاقتصاديون بالبحث عن أسباب الأزمات، وأخذوا يبحثون عن علة توالي الأزمات وتناوبها، فاهتدوا أخيراً إلى الأسباب الآتية:
(١) وفرة الإنتاج - لا تنشأ وفرة الإنتاج إلا عن تقدم الصناعة الكبرى. فمن البديهي أن البضائع المعروضة في السوق سوف تزيد يوماً ما على حاجة الاستهلاك، ويصبح من العسير تصريف شيء ما من هذه المقادير؛ فينتج عن ذلك تدهور عام في الأسعار، ولكي يتجنب الصناع البيع مع الخسارة يحصلون على الأموال من المصارف، أو يبيعون الأسهم، فينشأ عن ذلك ارتفاع في الفوائد، وتدهور في قيمة الأسهم، حتى يصبح المال نادراً، وذلك راجع إلى زيادة السلع المعروضة. وسرعان ما يصبح هؤلاء الصناع في حال من الإفلاس والضنك يرثى لها.
وها قد رأينا كيف يسبق الإنتاج الاستهلاك، وكيف يقف الإنتاج عن السير عند حد معين، وكيف يسير الاستهلاك حتى يلحق الإنتاج، فيسبقه بدوره؛ وهذا السبق لا بد منه. فظاهر لنا في هذه الحال علة تناوب الأزمات: وكل أزمة يعقبها وقت تعوض فيه الصناعة خسارتها، وتنتعش حالتها، ويتجدد إنتاجها ليسد مطالب الأفراد الحديثة.
(٢) قلة الاستهلاك - ويذهب بعض الاقتصاديين إلى أن الأزمات هي في الغالب راجعة إلى زيادة الإنتاج الناشئة عن شراهة أصحاب رؤوس الأموال الذين يحاولون استرداد ما فقدوه من الأرباح عن طريق الكمية؛ ولكن السبب الأساسي هو عدم كفاية ثروة أغلب المستهلكين - وأغلبهم من طبقة عمال اليومية - لابتياع ما أنتجوه وما صنعوه بأيديهم، فزيادة الحاجة إلى الصناع لتوسيع الإنتاج وزيادته، وزيادة عمال الأجور، وعدم القدرة على تسديد أجورهم، تؤدي إلى اضطراب التوازن في وقت من الأوقات. ويزيد الاضطراب وتشتد الأزمات حتى يحين الوقت الذي يقضي فيه على نظام الرأسمالية. فهذا النظام مقضي عليه بالفناء بسبب النتائج التي أدى إليها.
(٣) زيادة الرأسمالية - اتفق الاقتصاديون على أن زيادة الرأسمالية أخطر من زيادة الإنتاج في إحداث الأزمات. إن المصانع الكبرى يلزمها ترتيب حركة دولاب العمل بتجهيز الآلات، والمناجم، والعربات، والسفن وغير ذلك. وإذا كان المصنع على أهبة